الأعراض الذاتية والصفات المقومة للماهية.
أي قيمة لما يمتصه البعوض مجتمعا من جسم الإنسان في جانب ما يمتصه القاتل منفردا من جسم المقتول.
إن البعوض في امتصاصه الدم من الجسم أقل من القاتل ضررا وأشرف غاية وأجمل مقصدا؛ لأنه إن آذى الجسم فقد أبقى على الحياة؛ ولأنه يطلب عيشه وهذا طريقه الطبيعي الذي لا يعرف سواه، ولا يستطيع أن يدبر لنفسه غيره، ولو استطاع لعافت نفسه أن يكون كالإنسان يتطوع للشر، ويتعبد بالضر.
إني وجدت بين الإنسان والبعوض شبها قريبا في صفات كثيرة, أنا ذاكر لك طرفا منها وتارك لفطنتك الباقي.
البعوض يمتص من الدم فوق ما يستطيع احتماله، لا يزال يشرب حتى يمتلئ فينفجر، فهو يطلب الحياة من طريق الموت، ويفتش عن النجاة في مكامن الهلاك، وهو أشبه شيء بشارب الخمر يتناول الكأس الأولى منه؛ لأنه يرى فيها وجه سروره وصورة سعادته، فتطمعه الأولى في الثانية، والثانية من الثالثة، ثم لا يزال يلح بالشراب على نفسه حتى يتلفها ويودي بها من حيث يظن أنه ينعشها, ويجلب إليها سرورها وهناءها.