فوضى الإحسان:
الإحسان في مصر فوضى لا نظام له، يناله من لا يستحقه ويحرم منه مستحقه، فلا بؤسا يرفع، ولا فقرا يدفع، فمثله كمثل السحاب الذي يقول فيه أبو العلاء:
ولو أن السحاب همى بعقل ... لما أروى مع النخل القتادا1
الإحسان في مصر أن يدخل صاحب المال ضريحا من أضرحة المقبورين فيضع في صندوق النذور قبضة من الفضة أو الذهب ربما يتناولها من هو أرغد منه عيشا وأنعم بالا، أو يهدي ما يسميه نذرا من نعم وشاء إلى دفين في قبره قد شغله عن أكل اللحوم والتفكه بها ذلك الدود الذي يأكل لحمه، والسوس الذي ينخر عظمه، وما أهدى شاته ولا بقرته لو يعلم إلا إلى "ديوان الأوقاف" وكان خيرا له أن يهديها إلى جاره الفقير الذي يبيت ليله طاويا يتشهى ظلفا[2] يمسك رمقه، أو عرقوبا يطفئ لوعته.
وأعظم ما يتقرب به محسننا إلى الله ويحسب أنه بلغ من البر والمعروف غايتيهما أن ينفق بضعة آلاف من الدنانير في بناء مسجد للصلاة في بلد مملوء بالمساجد، حافل بالمعابد، وفي البلد كثير من البائسين وذوي الحاجات، ينشدون مواطن
1 القتاد شجر صلب له شوك لا فائدة منه. [2] ظلف البقرة ظفرها.