أهناء أم عزاء:
فارق مصر على أثر الدستور العثماني كثير من فضلاء السوريين بعدما عمروا هذه البلاد بفضائلهم ومآثرهم وصيروها جنة زاخرة بالعلوم والآداب ولقنوا المصريين تلك الدروس العالية في الصحافة والتأليف والترجمة، وبعدما ما كانوا فينا سفراء خير بين المدنية الغربية والمدنية الشرقية، يأخذون من كمال الأولى ليتمموا ما نقص من الأخرى، وبعدما علّموا المصري كيف ينشط في العمل, وكيف يجد ويجتهد في سبيل العيش, وكيف يثبت ويتجلد في معركة الحياة.
قضوا بيننا تلك البرهة من الزمان يحسنون إلينا فنسيء إليهم, ويعطفون علينا فنسميهم تارة دخلاء، وأخرى ثقلاء، كإنما كنا نحسب أنهم قوم من شذاذ الآفاق أو نفايات الأمم جاءوا إلينا يصادروننا في أرزاقنا، ويتطفلون على موائدنا، ولو أنصفناهم لعرفناهم وعرفنا أن أكثرهم من بيوتات المجد والشرف, وإنما ضاقت بهم حكومة الاستبداد ذرعا وكذلك شأن كل حكومة