الأمنية التي كنت أتمناها فعلوت ظهره، وغمزته غمزة خرج بها خروج الودْق[1] من السحاب، والسيف من القراب[2]، وعلى ما جَهَدتُه لم يشك إِليَّ ما شكاه جواد عنترة إليه في قوله:
فأزورَّ من وقع القنا بلَبانه ... وشكا إلي بعبر وتحمحم
أو ما شكاه جواد عمر بن أبي ربيعة إليه في قوله:
تشكي الكميت الجري لما جهدته ... وبين لو يستطيع أن يتكلما
ذكرت أني وأنا في الدار الفانية كنت أسمع بذكر الذاهبين الأولين من الأدباء والشعراء والرواة، فآسف على أن لم أكن في زمنهم أراهم وأحضر مجالسهم، فقلت ليت شعري ما فعل الله بهم في هذه الدار، وهل سعدوا أو شقوا، وهل يقيَّض لي من رؤيتهم في دار البقاء، ما لم يقيض في دار الفناء.
ثم رميت بطرفي فإذا فارس يحضر فرسه[3] في الهواء إحضارًا حتى تقاربنا فتماست الركب، واختلفت الأعناق، فقال: انتسب، فقلت فلان ومن أنت يرحمك الله، وقد فعل، فقال عدي بن زيد العابدي فدهشت، وقلت عدي بن زيد في الجنة بعد الزيغ والضلال، فقال أنا عيسوي، وأنت محمدي، وليس لصاحبك على [1] الوَدْق: المطر. [2] قراب السيف: غمده. [3] أحضر الفرس: ارتفع في عدوه.