وفي تلك الأنهار آنية ترفرف فوق سطحها على صور الطيور كالكراكي والطواويس والبط والعندليب ينحدر من مناقيرها شراب، أرق من السراب، وتسبح فيها أسماك من الذهب والياقوت
يعُمن فيها بأوساط مجنَّحةٍ[1] ... كالطير تنشر في جوِّ خوافيها
ورأيت أنهارًا من لبن وأنهارًا من عسل لا يدرك الوهم كهنه إلا إذا أدرك ما يمتص نحل الجنة من زهورها وأنوارها.
رأيت جميع تلك الأنهار مكبّرة ثم تمثلت في نظري مصغّرة، فإذا هي سطور، من النور، وأحرف بيضاء، في صحيفة خضراء، قرأتها فرأيتها "مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات".
ظللت أمشي فيما أكاد أخطو خطوة حتى أرى منظرًا عجيبًا يُنسي السابق، ويشوق إلى اللاحق، فوددت لو طويت لي الأرض طيًّا، فأتعجل النظر إلى ما غاب من الجنة وبدائعها، فما أخذ هذا الخاطر مكانه من نفسي حتى رأيت بين يدي فرسًا من الجوهر المتخير مسرجا ملجمًا فعلمت أني قد سعدت وأنها [1] مجنحة ذات أجنحة.