نام کتاب : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية نویسنده : لويس شيخو جلد : 1 صفحه : 187
وكذلك روى ابن سعد في طبقاته (8: 53 54) عن عائشة زوج نبي الإسلام انه حملت في دفنها المشاعل من الجريد الملفوف بالخرق والمغموس بالزيت، ثم أفتوا بتحريم التجمير وفي صحيح ابن ماجة "أنه لا يجوز ابتاع الجنائز بالمجامر وما يشابهما لأن ذلك من فعل الجاهلية"، يعني النصرانية.
(إكرام القبور) يروى في الحديث (جامع السيوطي ص357) : "قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" كأن صاحب الشريعة الإسلامية حرم بذلك إكرام الموتى وزيارة قبورهم، ألا أن المسلمين لم يعيروا بالا الحديث المذكور كما يثبت ذلك مألوف عاداتهم في إكرام قبر نبيهم في المدينة وقبور الخلفاء الراشدين هنالك مع ما يزين تلك القبور من الحلي، ويوقد فوقها من السرج ويقدمون إليها من الهدايا، ومن ذلك يتضح أن العادة النصرانية غلبت عليهم إلا بعض المتطرفين منهم كالوهابيين الذين ينكرون كل إكرام للأولياء، ومما يستند إليه أهل السنة في إكرام الأولياء ما رواه ابن سعد في كتاب الطبقات الكبير (ج2 ق2 ص9 10) "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على أهل البقيع أي قتلى أحد بعد ثماني سنين"، وقد أخبر الواقدي عن فاطمة الزهراء ابنته أنها كانت تخرج إلى أحد لزيارة قبر حمزة عم محمد.
(الاستشهاد) وأخص من يكرمهم النصارى شهداء دينهم الذين بموجب وصاة السيد المسيح فضلوا الموت في سبيل إيمانهم على الحياة والغنى والشهوات، وليس للنصارى شهداء غيرهم، فرأى صاحب الشريعة الإسلامية ما في هذه الميتة الشريفة من المجد فعظم الاستشهاد ورغب فيه بالمواعيد الجليلة في الآخرة، لكن بين هذا الاستشهاد النصراني بوناً عظيماً، فبينما النصارى لا يعدون شهيداً إلا من مات لأجل الدين المستقيم ترى المسلمين يكرمون كشهداء، كل من مات في الحرب والجهاد بل يعتبرون كشهداء غيرهم أيضاً، جاء في الحديث (جامع السيوطي ص293) : "الغريق شهيد والحريق شهيد والغريب شهيد والملدوغ شهيد"، وروى حديثاً آخر (ص272) : "الطاعون والغرق والبطن والحرق والنفساء شهادة لأمتي" وفي صحيح البخاري (3: 193) : "الشهداء خمسة المطعون والمبطون والغريق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله".
2 العادات الشرعية والاجتماعية
(أصول الشرع الإسلامي) لما ظهر الإسلام كان معظم العرب لا يعرفون من الشرع إلا ما يفي بأمورهم ويكفي لمعاملاتهم في حياتهم الساذجة، فلما فتحوا البلاد الراقية في التمدن كالشام ومصر والعراق والعجم احتاجوا إلى شرائع أوسع وأدق وكان نصارى تلك البلاد يتبعون الشرائع الرومانية التي نقحها ونظمها يوستنيان الملك فعليها جرى العرب أولاً بمساعدة عمال من نصارى الروم السريان والأقباط وإنما ثبتوا على بعض نواميسهم الأصلية في عيشتهم الفطرية مع ما استخلصه الفقهاء من القرآن أو الحديث، وبقوا على ذلك إلى أواسط القرن الثاني للهجرة إذ ظهر كبار الأئمة كالشافعي وأبي حنيفة ومالك وابن حنبل فوضعوا الفقه الإسلامي أصولاً ثابتة يقابلون بينه وبين الشرع الروماني ويلحظون أشياء كثيرة مصدرها الحقوق الرومانية.
(الدواوين) لا قيام لدولة كبيرة إلا بإنشاء دواوين مختلفة يعهد إلى كل منها تدبير بعض أمورها كبيت المال وتدبير الجند وديوان الإنشاء وديوان التوقيع وديوان العمال وديوان الجباية وديوان الخاتم، ولم يكن للعرب الفاتحين دربة في كل ذلك ومن ثم أقروا الدواوين على ما كانت عليه قبل فتحهم في أيدي عمال من نصارى البلاد، وجاء في كتاب لطائف المعارف للثعالبي (ص10) "أن أول من دون الدواوين عمر بن الخطاب عملاً بما قال له رجلٌ: رأيت الأعاجم يدونون ديواناً لهم فدون لنا.
أنت ديواناً فأمر بوضع الديوان" على أن هذه الدواوين تولاها أولاً النصارى لعلمهم بتدبيرها لنا على ذلك مثال جليل في اسرة ابن منصور الدمشقية التي اشتهر منها سرجه أو سرجون بن منصور من ندماء يزيد بن معاوية (الأغاني 16: 7) وكاتب معاوية بن يزيد وعبد الملك بن مروان على ديوان الخراج والجند (الطبري 2: 837 ابن عبد ربه 2: 322) وابنه يوحنا هو ملفان الكنيسة اليونانية العظيم المعروف بالقديس يوحنا الدمشقي، وكان هؤلاء العمال يكتبون في الرومية أو القبطية أو الفارسية إلى أن تمكن العرب من نظارة تلك الدواوين فنقلوها إلى العربية وذلك في عهد عبد الملك بن مروان ثم الوليد بن عبد الملك.
نام کتاب : النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية نویسنده : لويس شيخو جلد : 1 صفحه : 187