الفساد الذي لا يخيل على أحد إن كان المراد بأنه بالشخص غير كأنه يوجد سواك، وتوجدسواه، فهذا لا مرية فيه ولا شبهة على أحد منه، والعدو أيضاً كذلك. وإن كان المراد به يوافقك ويجري على هواك وإرادتك، فقد قلنا إن هذا الوصف يدخله ذلك التعاند الذي تسلف استشفافه واستكشافه من جهة الطباع والطباع، والعادة والعادة، والمراد والمراد، والهوى والهوى، والشكل والشكل، فإذاً الحد يصح ملحوظاً بشرح العقل في عالمه النقي البهي المشرق المؤتلق الخالص النير البحت، لا إذا قصد به وجدانه فيساحة الحس الكدر المظلم السيال المتموج المضمحل المستحيل. ولهذا المعنى كان الوصف أبداً زائداً على الموصوف، والقول فاضلاً عن المقول عليه في أمور هذه الدار، وتفصيل أحوال سكانها في جميع ما يتقلبون فيه ويتفرقون عليه.
قيل له: قد حصلنا حميع ما قلته ووجدنا في أنفسنا زيادة كثيرة لمعرفته أفدنا الآن الفرق بين الصداقة والألفة؟ فقال قد يألف الإنسان ثوباً وزياً وطعاماً وهدياً ومذهباً ومكاناً، ولا يصادق شيئاً منها، والصداقة إذا أخذتها من جانب اشتاق لفظها كانت من الصدق، ولاصدق ميزان النفس وصورة العقل وكمال الجملة وزينة التفصيل، وإذا ألف إنسان إنساناً فقد أجراه مجرى جميع ما سميناه، وإذا صادقه فقد رفع شأنه وأعلى مكانه وميز قدره وأفرد حاله فيما لا يصدف إذا حدث ولا ينصف إذا عومل.
قيل: فعلى هذا يتمم هذه المقابسة التي حركت منا سواكن، وأثارت علينا كوامن.
فقال: إعملوا ما بدا لكم من الخير فالحكم خلس، والفوائد قرص، وليس كل وقت يوافق نشاط السائل في سؤاله رغبة المسئول في إجابته، ولا في كل حال يمكن للإنسان أن يثقف ما يقول ويقوم ما يعمل ويحقق ما ينوي قبل وبعد، وإني أحدثكم عن الصداقة شيئاً حسناً.