ربَّ لائم مليم، لا تهرف بما لا تعرف، وإذا تكلَّفت غيَّ الناس كنت أغواهم، ليس من القوة التورط في الهوَّة، وإلى أِمِّه يخرج من لهف، جدَّك لا كدَّك، اسع بجدٍ أو دع، إنَّ بعد الحول أولا، وإن مع اليوم غدا، وإن أخاك من آتاك " يريد واتاك "، ومن يطل ذيله ينتطق به، إن أَخا الظُّلم أَعشى ياليل، ومن حظَّك موضع حقَّك، لا تُلزم أخاك ما ساءك، ومن خير خَيرَ أن تسمع بمَطَر، وناصح أخاك الخبر وكن منه على حذر، ولِّ الثُّكل غيرك فإن العقوق ثكل من لم يثكل، ومن لك بأخيك كلِّه، والتَّجردُّ لغير نكاح مثله، ولا تكوننّ راضيا بالقول، الحرسُ يلهمُ العِرض " يريد يأكله "، لا تحمدنَّ أَمة عام اشترائها، ولا فتاة عام هدائها، ولا تلم أخاك ما آساك.
قالوا: وجمع أكثم بن صيفي بنيه، فقال: يا بنيّ، قد أتت عليّ مائتا سنة، وإني مزودكم من نفسي؛ عليكم بالبرِّ فإنه ينمي العدد، وكفُّوا السنتكم فإن مقتل الرجل فكَّيه، إن قول الحق لم يدع لي صديقا، وإنه لا ينفع من الجزع التَّبكيَّ، ولا مما هو واقع التَّوقِّى، وفي طلب المعالي يكون الغرر " ويقال: يكون العَوَرَ "، الاقتصاد في السعي أَبقى للجمال، ومن لا يأسى على ما فاته ودَّعَ بدنَه، ومن قنع بما هو فيه قرَّت عينه، التَّقدَّم قبل التَّندُّم، أن أُصبح عند رأس الأمر أُحبُّ من أن أُصبح عند ذنبه، لم يهلك من مالك ما وعظك، ويل لعالم أَمرٍ من جاهله، الوحشة ذهابُ الأَعلام " أي العظماء "، ويتشابه الأمر إذا أقبل، فإذا أَدبر عرفه الأحمق والكِّيس، عند الرخاء حمق، والجزع عند النازلة آفة التجمل، ولا تغضبوا من اليسير فإنه يجني الكثير، لا تجيبوا فيما لا تسألون عنه، ولا تضحكوا مما لا يضحك منه، تناءوا في الديار ولا تباغضوا، فإن من يجتمع يتقعقع عمده " أو عُمُدُه، يقالان جميعا " ولقد رأيت جبلا مطلا تزايله حجارته، ولقد رأيته أَملس ما فيه صدع، أَلزموا النساء المهانة، ولنعم لهو الحرَّة المغزل، وأَحمق الحُمق الفجور، وحيلة من لا حيلة له الصبرُ، إن كنت نافعي فورِّ عن عينك، إن تعش تر ما لم ترَ، قد أقرّ صامت، المكثار كحاطب الليل، ومن أَكثر أَسقط، والسَّروُ الظاهر الرَّياش، لا تبوُلُوا على أَكمة، ولا تفشوا سراً إلى أَمةٍ، من لم يرج إلا ما هو مسوجب له كان قمنا أن يدرك حاجته، ولا تمنعنكم مساويْ رجل من ذكر محاسنه.
حدثنا أبو روق، قال، حدثنا أبو عمر بن خلاد عن محمد بن حرب الهللي قال، قال أكثم بن صيفي لولده: يا بنيّ، لا يغلبنكم جمال النساء عن صراحة النسب فإن المناكح الكريمة مدرجة للشَّرف.
قال أبو حاتم، قالوا، وكان من أمر رياح بن ربيعة ذي ذراريح التميمي أنه أخذ عبدا يقال له، المج، وأَمه يقال لها، الصبغاء، وإبلا لابن أخ لأكثم، فبعث إليه أكثم مالك بن نويرة، وهو ختن رياح على ابنته، فدفع إليه ما كان أخذ منه، وأبطأ عليهم. فبعث إليه أكثم المكفَّف بن المُسّضيح؛ فلما توجه من عنده قيل له، قد انطلق، فليأتينّك بالإبل والعبد والأمة.
فقال أكثم: فتى ولا كمالك.
قال أبو حاتم: هذا مثل للعرب معروف.
فلما قدم علليه مالك قال: صرَّح الأمر عن محصنه.
فدفع إليه مال ابن أخيه، فقال: أقصر لما أبصر، وهذا خبر إِن كان له أثر، وفي الجريرة تشرَكُ العشيرة، ورب قول من صول، والحُرّ حرّ وإن مسَّه الضُرّ، وإذا أفرع الفؤاد ذهب الرُّقاد، هل يهلكنَّي فقد مالا يعود، وأعوذ بالله أن يرميني امرؤ بدائه، ربّ كلامٍ ليس فيه اكتتام، حافظ على الصَّديق ولو في الحريق، وليس من العدل سرعة العذل، وليس بيسير تقويم العسير، وإذا أردت النصيحة فتأَهَّب للظَّنَّة، ولو أنصف المظلوم لم يبق فيينا ملوم، متى تعالج مال غيرك تسأَم، وغثُّك خير من سمين غيرك، لا تنطح جمَّاء ذات قرنٍ، وقد يبلغ الخضم بالقضم، وقد صدع الفراق بين الرِّفاق، واستأنوا أخاكم فإن مع اليوم أخاه، وكلُّ ذات بعل سئيمُ، وقد غلب عليك من دعا إليك، والحرُّ عزوف " أي صبور " لما يبتلى، ولا تطمع في كل ما تسمع.
قالوا: وأشار أكثم يوم الكلاب على بني تميم حين سارت إليهم مذحج بأجمعها، فقال: