نام کتاب : المستطرف في كل فن مستطرف نویسنده : الأبشيهي، شهاب الدين جلد : 1 صفحه : 458
ورؤساء مضر، خطب فقال: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل وعنصر مضر، وجعلنا حضنة بيته وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن محمد بن عبد الله ابن أخي من لا يوزن به رجل من قريش إلا رجح به برا وفضلا وكرما ومجدا ونبلا، فإن كان في المال قلّ، فالمال ظل زائل ورزق حائل، وقد خطب خديجة بنت خويلد وبذل لها من الصداق ما عاجله وآجله من مالي كذا وكذا، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطر جليل.
ولما خطب عمرو بن حجر الكندي إلى عوف بن محلم الشيباني ابنته أم إياس وأجابه إلى ذلك، أقبلت عليها أمها ليلة دخوله بها توصيها، فكان مما أوصتها به أن قالت: أي بنية إنك مفارقة بيتك الذي منه خرجت وعشّك الذي منه درجت إلى رجل لم تعرفيه وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة ليكون لك عبدا، واحفظي له خصالا عشرا يكن لك ذخرا، فأما الأولى والثانية، فالرضا بالقناعة وحسن السمع له والطاعة، وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواقع عينيه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم أنفه منك إلا أطيب الريح، وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت طعامه ومنامه، فإن شدة الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة، وأما السابعة والثامنة: فالإحراز لماله والإرعاء على حشمه وعياله، وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصي له أمرا، ولا تفشي له سرا، فإنك إن خالفت أمره أو غرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمني غدره، وإياك والفرح بين يديه إذا كان مهتما، والكآبة لديه إذا كان فرحا. فقبلت وصية أمها، فأنجبت وولدت له الحارث بن عمرو جد أمرىء القيس الملك الشاعر.
وعن الهيثم بن عدي الطائي عن الشعبي قال: لقيني شريح، فقال لي: يا شعبي عليك بنساء بني تميم، فإني رأيت لهن عقولا، فقلت وما رأيت من عقولهن؟
قال: أقبلت من جنازة ظهرا، فمررت بدورهن وإذا أنا بعجوز على باب دار وإلى جانبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري، فعدلت إليها، واستسقيت وما بي عطش.
فقالت لي: أي الشراب أحب إليك؟
قلت: ما تيسر.
قالت: ويحك يا جارية ائتيه بلبن، فإني أظن الرجل غريبا.
فقلت للعجوز: ومن تكون هذه الجارية منك؟
قالت: هي زينب بنت جرير إحدى نساء بني حنظلة. قلت: هي فارغة أم مشغولة؟
قالت: بل فارغة.
قلت: أتزوجينيها؟
قالت: إن كنت كفأ (ولم تقل كفوا) ، وهي لغة بني تميم، فتركتها ومضيت إلى منزلي لأقيل فيه، فامتنعت مني القائلة، فلما صليت الظهر أخذت بيد إخواني من العرب الأشراف علقمة والأسود والمسيب، ومضيت أريد عمها، فاستقبلنا وقال: ما شأنك أبا أمية؟
قلت: زينب ابنة أخيك.
قال: ما بها عنك رغبة. فزوّجنيها، فلما صارت في حبالي ندمت وقلت أي شيء صنعت بنساء بني تميم، وذكرت غلظ قلوبهن. فقلت أطلقها، ثم قلت: لا، ولكن أدخل بها، فإن رأيت ما أحب وإلا كان ذلك. فلو شهدتني يا شعبي وقد أقبلت نساؤها يهدينها حتى أدخلت علي. فقلت: إن من السنّة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين. ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها، فتوضأت. فإذا هي تتوضأ بوضوئي وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي، فلما قضيت صلاتي أتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسنني ملحفة قد صبغت بالزعفران فلما خلا البيت دنوت منها، فمددت يدي إلى ناصيتها، فقالت: على رسلك أبا أمية، ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، وأما بعد، فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنبه. فإنه قد كان لك منكح في قومك ولي في قومي مثل ذلك، ولكن إذا قضى الله أمرا كان مفعولا، وقد ملكت، فاصنع ما أمرك الله تعالى به، إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولك ولجميع المسلمين.
قال: فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله أما بعد، فإنك قلت كلاما إن ثبتّ عليه يكن ذلك حظا لي، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وأكره كذا، وما رأيت من حسنة فابثثيها وما رأيت من سيئة فاستريها.
فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملّني أصهاري.
قالت: فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذن له، ومن تكرهه أكرهه.
نام کتاب : المستطرف في كل فن مستطرف نویسنده : الأبشيهي، شهاب الدين جلد : 1 صفحه : 458