نام کتاب : المستطرف في كل فن مستطرف نویسنده : الأبشيهي، شهاب الدين جلد : 1 صفحه : 211
وإذا غلام أمرد «1» عذاراره خداه «2» قد أقبل من بعض المقاصير بين يديه مائة خادم ممنطقون في وسط كل خادم منطقة من ذهب يقرب وزنها من ألف مثقال، ومع كل خادم مجمرة من ذهب في كل مجمرة قطعة من عود كهيئة الفهر «3» ، قد قرن بها مثلها من العنبر السلطاني، فوضعوه بين يدي الغلام إلى جنب يحيى، ثم قال يحيى للقاضي:
تكلم وزوج بنتي عائشة من ابن عمي هذا. فخطب القاضي، وزوّجه، وشهد أولئك الجماعة، وأقبلوا علينا بالنثار «4» ببنادق المسك والعنبر، فالتقطت، والله يا أمير المؤمنين ملء كمي، ونظرت، فإذا نحن في المكان ما بين يحيى والمشايخ وولده والغلام مائة وإثنا عشر رجلا، فخرج إلينا مائة وإثنا عشر خادما مع كل خادم صينية من فضة عليها ألف دينار، فوضعوا بين يدي كل رجل منا صينية، فرأيت القاضي والمشايخ يصبون الدنانير في أكمامهم ويجعلون الصواني تحت آباطهم، ويقوم الأول فالأول، حتى بقيت وحدي بين يدي يحيى لا أجسر على أخذ الصينينة، فغمزني الخادم، فجسرت وأخذتها، وجعلت الذهب في كمي، وأخذت الصينية في يدي وقمت، وجعلت ألتفت إلى ورائي مخافة أن أمنع من الذهاب بها، فبينما أنا كذلك في صحن الدار ويحيى يلحظني إذ قال للخادم ائتني بذلك الرجل. فرددت إليه، فأمر بصب الدنانير والصينية وما كان في كمي، ثم أمرني بالجلوس، فجلست فقال لي: ممن الرجل؟ فقصصت عليه قصتي، فقال للخادم ائتني بولدي موسى، فأتي به، فقال له: يا بني هذا رجل غريب، فخذه إليك واحفظه بنفسك وبنعمتك. فقبض موسى على يدي وأدخلني إلى دار من دوره، فأكرمني غاية الإكرام، وأقمت عنده يومي وليلتي في ألذ عيش، وأتم سرور، فلما أصبح دعا بأخيه العباس وقال: إن الوزير قد أمرني بالعطف على هذا الرجل، وقد علمت اشتغالي في دار أمير المؤمنين فاقبضه إليك، وأكرمه، ففعل ذلك وأكرمني غاية الإكرام، فلما كان من الغد تسلمني أخوه أحمد، ثم لم أزل في أيدي القوم يتداولوني عشرة أيام لا أعرف خبر عيالي وصبياني أفي الأموات هم أم في الأحياء. فلما كان اليوم الحادي عشر جاءني خادم ومعه جماعة من الخدم، فقالوا لي:
قم، فاخرج إلى عيالك بسلام. فقلت: واويلاه سلبت الدنانير والصينية، وأخرج إلى عيالي في هذه الحالة. إنّا لله وإنّا إليه راجعون فرفع الستر الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، ثم الرابع، فلما رفع الخادم الستر الأخير قال لي: مهما كان لك من الحوائج، فارفعها إلي فإني مأمور بقضاء جميع ما تأمرني به، فلما رفع الستر رأيت حجرة كالشمس حسنا ونورا واستقبلني منها رائحة الند والعود ونفحات المسك، وإذا بصبياني وعيالي يتقلبون في الحرير والديباج، وحمل إلي ألف ألف درهم وعشرة آلاف دينار ومنشورين بضيعتين، وتلك الصينية التي كنت أخذتها بما فيها من الدنانير والبنادق، وأقمت يا أمير المؤمنين مع البرامكة في دورهم ثلاث عشرة سنة لا يعلم الناس أمن البرامكة أنا أم رجل غريب اصطنعوني، فلما جاءتهم البلية، ونزل بهم من أمير المؤمنين الرشيد ما نزل، أجحفني عمرو بن مسعدة وألزمني في هاتين الضيعتين من الخراج ما لا يفي دخلهما به، فلما تحامل عليّ الدهر كنت في أواخر الليل أقصد خرابات القوم، فأندبهم وأذكر حسن صنيعهم إليّ وأشكرهم على إحسانهم.
فقال المأمون: عليّ بعمرو بن مسعدة، فلما أتي به قال: يا عمرو: أتعرف هذا الرجل؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين هو بعض صنائع البرامكة، قال: كم ألزمته في ضيعته؟ قال: كذا وكذا، قال: رد له كل ما أستأديته منه في مدته، ووقع له بهما ليكونا له ولعقبه من بعده، قال:
فعلا نحيب الرجل وبكاؤه، فلما رأى المأمون كثرة بكائه قال: يا هذا قد أحسنا إليك، فلم تبكي؟ قال: يا أمير المؤمنين وهذا أيضا من صنائع البرامكة، إذ لو لم آت خراباتهم، فأبكيهم وأندبهم حتى اتصل خبري بأمير المؤمنين، ففعل ما فعل، فمن أين كنت أصل إلى أمير المؤمنين.
قال إبراهيم بن ميمون، فلقد رأيت المأمون قد دمعت عيناه، وظهر عليه حزنه وقال: لعمري هذا من صنائع البرامكة، فعليهم فابك، وإياهم فاشكر، ولهم فأوف ولإحسانهم فاذكر.
وقيل: إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل، ودوام عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه وكثرة بكائه على ما مضى من زمانه قال الشاعر:
نام کتاب : المستطرف في كل فن مستطرف نویسنده : الأبشيهي، شهاب الدين جلد : 1 صفحه : 211