يوهمنيك الشوق حتى كأنني ... أناجيك عن قرب وما أنت في قربي
قال فدعا المأمون وأمر بعلاجهما فعولجا حتى برئا وزوج الفتى من ابنة عمه وأجرى عليهما ما يصلحهما وكانا في جملة حاشيته حتى مات.
؟ حكاية
عتب عبد الله بن طاهر على بعض كتابه فسجنه في مقصورة. فأشرفت عليه جارية لعبد الله كانت حظية عنده فنظرت إلى الفتى وكان أديباً ووافقت نظرة منه إليها. فوقع في قلبها محبة شديدة وعالجت الصبر عنه فلم تقدر عليه. فأخذت رقعة فكتبت فيها:
أيها الزاني بعين ... يه وفي الطرف حتوف
إن ترد وصلاً فقد ... أمكنك الظبي الألوف
ثم دلت إليه الرقعة بخيط، فلما قرأها كتب فيها:
إن تريني راني ... العينين فالقلب عفيف
ليس إلا النظر الفا ... تك والعقل ظريف
فلما رأته الجارية يكتب في الرقعة جواباً فرحت ولم تشك أنه فيها أرغب. فلما رفعت الرقعة وقرأتها ساءها رده فقلبتها وكتبت في ظهرها:
قد أردناك على أن ... تجتلي ظبياً ألوفا
فأبيت الآن لا ... زلت لقيديك حليفاً
ثم دلتها فلما قرأها كتب فيها:
ما تركت الظبي إني ... كنت للظبي عنيفا
غير أني خفت رباً ... لم يزل براً رؤوفا
فرفعت الرقة فلما رأتها ساءها ذلك فأومأت بها لتجعلها في جيبها فجعلتها بين ثوبها وهي لا تدري. فدخلت مقصورتها، وجاء عبد الله ماشياً في سطح قصره فمر بالرقعة فتناولها فعرف خط الجارية وخط الفتى، فحجب من عفته وصبره عنها على حسنها وجمالها، وكانت من أعز جواريه عليه فدخل عليها فوجدها مكتئبة حزينة. فقال: ما هذه الرقعة يا فلانة؟. قالت: أعز الله الأمير هي ما رأيت. قال لها: فالله عليك شاهد أنه لأحب إليك مني قالت: إي والله. قال: فأمر الفتى ففكت قيوده وكساه وأجازه وقال له: خذ هذه الجارية بجميع ما يحويه ملكها ثواباً لعفتك وتقاك وخوفك الله تعالى، ورفع مرتبته من كتابه، ولم يزل مكرماً له.
؟؟ حكاية
قال الهيثم بن عدي كان يزيد بن قرة الشيباني شديداً منيعاً، وكان يرى رأي الخوارج، ولم يكن يخشى عمال العراق، فغاظ ذلك الحجاج وبلغ منه فكتب إلى عبد الملك يخبره بذلك فكتب إليه عبد الملك احتل له فإن قدرت عليه فاضرب عنقه. فدعا الحجاج يزيد بن رويم وجرير بن يزيد فأكرمهما وأدناهما وقال ليزيد لك شرط العراق ولجرير ديوان الخراج إن أتيتماني بيزيد بن قرة. فركبا إليه فقالا له: إن الأمير قد غضب عليك وإنا نخاف أن ينال غضبه جميع أهلك فاركب إليه. قال: لا أفعل إنه إن نظر إلي قتلني، قالوا له: ما هو فاعل ولابد لك أن تركب معنا. فأتى معهما وتهيأ للقتل وخرج نساؤه معه. فلما دخل على الحجاج قال له: أنت يزيد بن قرة؟ قال نعم. قال: قتلني الله إن لم أقتلك، قال نشدتك الله أن تقتلني فإني قيّم أربع وعشرين امرأة ليس فيهن رجل غيري ولا لهن قيم سواي. قال: ومن يعلم ذلك؟ قال هن بالباب. فأمر بإدخالهن وكل واحدة منهن تقول اقتلني ودعه. فيقول من أنت؟ فتقول عمته أو خالته أو بنته أو بنت أخ أو بنت أخت حتى اجتمعن بين يديه. فقالت أخته:
أحجاج هبه اليوم لله وحده ... وللباكيات الصارخات تفجعا
أحجاج إما أن تمن بنعمة ... عليه وإما أن تقتلنا معا
أحجاج كم تُفجِع به إن قتلته ... ثماني عشر واثنتيت وأربعا
أحجاج لو تسمع بكاء نسائه ... وعماته يفدينه الليل أجمعا
فرق لها الحجاج وبكى وحبسه وكتب في أمره إلى عبد الملك يصف ما جرى. فكتب إليه أُعف عنه وأَلحق عياله في العطاء ففعل.
؟ حكاية
قيل لأبي عقيل البليغ: كيف رأيت مروان بن الحكم عند طلب الحاجة؟ قال: رأيت رغبته في الإنعام فوق رغبته في الشكر، وحاجته إلى قضاء الحاجة أشد من حاجة صاحب الحاجة.
؟؟ حكاية
لقي أبو دلامة أبو دلف في مصادله وهو والي العراق فأخذ بعنان فرسه وأنشد:
إني حلفت لئن رأيتك سالماً ... بقرى العراق وأنت ذو وفر
لتصلين على النبي محمد ... ولتملأن دراهماً حجري
فقال: أما الصلاة على النبي محمد فصلى الله عليه وسلم. وأما الدراهم فلا. قال له: جعلت فداك لا تفرق بينهما بالذي أسأله أن لا يفرق بينك وبين النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فاستسلفها أبو دلف وصبت في حجره حتى أثقلته.