قيل كان الأفشين مبغضاً لأبي دلف القاسم بن عيسى العجلي وحاسداً له على فضله، فحمل نفسه يوماً على قتله واستدعاه باستحثاث وإزعاج، وكان أبو دلف صديقاً لقاضي القضاة أحمد بن أبي داود. فبعث إليه أدركني فمن أمري كذا وكذا. فكرب مسرعاً واستحضر من حضره من الشهود. فلما ورد باب الأفشين قال له الغلمان: نستأذن لك قال: الأمر أعجل من ذلك، ونزل ودخل فألقى الأفشين جالساً في موضعه، وقد أقيم أبو دلف بين يديه في الصحن. فلما رأى الأفشين قاضي القضاة دخل بلا إذن بهت فقال له أحمد بن أبي داود أيها الأمير أنا رسول أمير المؤمنين إليك يأمرك أن لا تحدث في أمر القاسم حدثاً إلا بإذنه. ثم التفت إلى الشهود فقال اشهدوا أني قد بلغت رسالة أمير المؤمنين، والقاسم حي معافى ثم خرج فأتى باب المعتصم مسرعاً، واستأذن عليه فأذن له فلما دخل عليه قال: يا أمير المؤمنين: قد كذبت عليك واحدة أرجو بها الجنة ولك بها الفخر قال وما هي؟ قال كان من الأمر كيت وكيت قال: فضحك المعتصم وقال: أحسنت أحسن الله إليك. ثم لم يلبث أن جاء الأفشين مستأذنا فأذن له، فلما استقر مجلسه قال يا أمير المؤمنين جاءتني رسالة منك مع قاضي القضاة في مغنى أبي دلف فما تأمر في شأنه؟ قال نعم أرسلت إليك فيه فأحذر أن تتعرض له إلا بخير، فأفلت بذلك من يده. حكاية
حدث القاضي أبو القاسم علي بن المحسن بن علي التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة. حدثني أبو الفرج علي بن الحسين الأصبهاني قال: كان محمد بن زيد العلوي الداعي بطبرستان إذا افتتح الخاج نظر ما في بيت المال من خراج السنة التي قبلها، وفرقه في قبائل قريش على دعوتهم وفي الأنصار وفي الفقهاء وأهل القرآن وسائر طبقات الناس، إلى أن يفرق جميع ما بقي فجلس سنة من السنين يفرق مثل ذلك على عادته، فلما بدأ ببني عبد مناف، وقد فرغ من بني هاشم، دعا سائر بني عبد مناف فقال إليه رجل فقال: من أي بني عبد مناف أنت؟ قال من بني أمية، قال من أيهم أنت؟ فسكت قال: لعلك من ولد معاوية؟ قال نعم قال أمن أيهم أنت؟ فسكت قال لعلك من ولد يزيد؟ قال نعم. قال: قال بئس الاختيار اخترت لنفسك، من قصدك " بلدا " ولاية آل أبي طالب وعندك ثأرهم في سيدهم، وقد كانت لك مندوحة عنهم بالشام والعراق عند من يتولى جدك ويحب برك. فإن كنت جئت عن جهل منك بهاذ فما يكون بعد جهلك جهل. وإن كنت جئت مستهزئاً بهم فقد خاطرت بنفسك فنظر إليه العلويون نظراً شديداً فصاح بهم محمد وقال: كفوا عافاكم الله كأنكم تظنون أن في قتل هذا دركاً أو ثأراً للحسنين بن علي، وأي جرم لهذا إن الله تعالى قد حرم أن تطالب نفس بغير ما اكتسبت، والله لا يعرض له أحد إلا أقدته به، واسمعوا حديثاً أحدثكم به يكون لكم قدوة فيما تستأنفون: