حدث أبو بكر محمد بن علي الماذرائي بمصر قال: كنت أساير أبا الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون بدمشق وقد خرجنا للصيد وأخذنا على نهر ثورا، فبينا نحن نسير إذ تلقاه أعرابي فأخذ بعنان فرسه وأنشده:
إن السنان وحد السيف لو نطقا ... لحدثا عنك بين الناس بالعجب
أفنيت مالك تعطيه وتنهبه ... يا آفة الفضة البيضاء والذهب
فقال أبو الجيش: يا غلام ادفع إليه ما في الخريطة، وكان فيها خمسمائة دينار، فقال: أيها الأمير زدني، فقال أبو الجيش لمن حضر من الغلمان: اطرحوا سيوفكم ومناطقكم عليه فبادر سبعة عشر غلاماً فطرحوا مناطقهم وسيوفهم. فقال: أيها الأمير انقلني، فأمر أن يدفع إليه بغل من بغال الموكب وحمل ذلك معه، وعدنا من الصيد. فما استقر بي مجلسي حتى ودر علي توقيع أبي الجيش خماويه: " تقدم أمتعني الله بك بصياغة سبعة عشر سيفاً وسبع عشرة منطقة ذهباً جيداً للغلمان مكان ما بذلوه، ليتحسر من تأخر من الغلمان على ما فاتهم من ذلك "
حكاية
ركب الفضل بن يحيى يوماً من منزله بالخلد يريد منزله بباب الشماسية فتلقاه فتى من الأبناء مملك، ومعه جماعة من الناس يحملون إملاكه فلما رأى الفتى نزل وقبل يده ولم يكن يعرفه، فسأله عن الصداق فعرف أنه أربعة آلاف درهم. فأمر له بأربعة آلاف درهم صداق زوجته، وأربعة آلاف درهم ثمن منزل يسكنه. وأربعة آلاف درهم للنفقة على وليمته. وأربعة آلاف درهم يستعين بها على العقد الذي عقده على نفسه وانصرف.
حكاية
قيل ركب محمد بن إبراهيم الإمام دين فركب إلى الفضل بن يحيى ومعه حق فيه جوهر فقال له: قصرت بنا غلاتنا، وأغفل أمرنا خليفتنا، وتزايدت مؤنتنا، فلزمنا دين احتجنا إلى أدائه، وهو ألف ألف درهم، وكرهت بذل وجهي للتجار واذالة عرضي بينهم، ولك من يعطيك منهم ما تحب، ومعي رهن يفي بذلك، فإن رأيت أن تأمر بعضهم بقبضه، وحمل المال إلينا فعلت فدعا الفضل بالحق فرأى ما فيه وختمه بخاتم محمد بن إبراهيم ثم قال له: نجح الحاجة إن تقيم اليوم عندي فقال له: إن في المقام علي مشقة. فقال له: وما يشق عليك من ذلك؟ إن رأيت أن تلبس بعض ثيابنا " دعوت به " وإلا أمرت بإحضار ثياب من دارك، فأقام ونهض الفضل، فدعا بوكيله فأمره بحمل المال وتسليمه إلى خادم محمد ابن إبراهيم، وتسليم الحق الذي فيه الجوهر بخاتمه إليه، وأخذ خطه بذلك، ففعل الوكيل ذلك، وأقام محمد عنده إلى المغرب، وليس عنده شيء من الخبر، ثم انصرف إلى منزله فرأى المال، وأحضر الخادم الحق. فغدا على الفضل يشكره فوجده قد سبقه بالركوب إلى دار الرشيد، فوقف منتظراً له على باب الرشيد، فقيل له قد خرج من الباب الآخر، فأتبعه فوجده وقد دخل إلى ابنه فوقف ينتظره فقيل له: قد خرج من الباب الآخر قاصداً إلى منزله، فانصرف عنه، فلما وصل إلى منزله وجه الفضل إليه ألف ألف درهم أخرى، فغدا عليه فشكره وأطال، فأعلمه الفضل أنه بات بليلة طالت غماً بما شكاه، إلى أن لقي الرشيد فأعلمه بحاله، فأمره بالتقدير له، ولم يزل يماسكه إلى أن تقرر الحال معه على ألف ألف درهم وقال: إنه لم يصلك بمثلها قط، ولا زاد على عشرين ألف دينار، فشكرته وسألته أن يصلك بها صكاً بخطه ويجعلني الرسول ففعل، فشكره محمد وقال: صدق أمير المؤمنين إنه لم يصلني قط بأكثر من عشرين ألف دينار وهذا إنما تهيأ بك وعلى يديك، وما أقدر على القيام بحقك، ولا على شكر أجازي به معروفك، غير أن علي وعلي، وحلف أيماناً مؤكدة، إن وقفت على باب أحد سواك، ولا سألت غيرك حاجة أبداً ولو استفقت التراب. فكان لا يركب إلى غير الفضل إلى أن كان من أمرهم ما حدث. فكان بعد ذلك لا يركب إلى غير الرشيد ويعود إلى منزله؛ فعوتب بعد تقضي أيامهم في ترك البيان الفضل بن الربيع. فقال: والله لو عمرت ألف عام ومصصت الثماد ما وقفت بباب أحد بعد الفضل بن يحيى، ولا سألته حاجة أبداً حتى ألقى الله عز وحل. ولم تزل تلك حاله إلى أن مات.
حكاية