لا يعبق الطيب خديه ومفرقته ... ولا يمسح عينيه من الكحل
وضع المرآة في غلافها، وقال للجارية: انصرفي فقد حرم مسلم علينا الطيب. فلما فرغت من القصيدة قال لي: يا مسلم أتدري ما الذي حداني على أن وجهت إليك؟ فقلت: لا والله لا أدري، فقال: كنت عند الرشيد منذ ليال أغمز رجليه إذ قال لي: يا يزيد أتدري من القائل فيك؟
سل الخليفة سيفاً من بني مطر ... يمضي فيتخرم الأحشاء وإلهاما
كالدهر لا ينثني عما يهم به ... قد أوسع الناس إنعاماً وإرغاما
فقلت: لا والله ما أدري. فقال الرشيد: يا سبحان الله إنك مقيم على أعرابيتك، يقال فيك مثل هذا الشعر، ولا تدري من قائله؟ فسألت عن قائله، فأخبرت إنك أنت هو، فقم حتى أدخلك على أمير المؤمنين، ثم قام فدخل إلى الرشيد فما لبثت حتى خرج علي الآذن، فدخلت على الرشيد، وأنشدته ما لي فيه من الشعر، فأمر لي بمائة ألف درهم، ويزيد بتسعين ألفاً وقال: لا يجوز أن أعطيك مثلما أعطاك أمير المؤمنين، وأقطعني اقطاعات تبلغ غلتها مائتي ألف درهم. قال مسلم: ثم أفضت الأمور بعد ذلك إلى أن أغضبني فهجوته فشكاني إلى الرشيد فدعاني وقال: أتبيعني عرض يزيد؟ فقلت: نعم يا أمير المؤمنين فقال: بكم فقلت: برغيف خبز، فغضب حتى خفته على نفسي، وقال: قد كنت أرى أن أشتريه منك بمال جسيم، ولست أفعل ولا كرامة، فقد علمت إحسانه إليك " أنا نفي عن أبي والله " والله لئن بلغني أنك هجوته لأنزعن لسانك من بين فكيك، فأمسكت عنه بعد ذلك، وما ذكرته بخير ولا شر.
حكاية
قال الواقدي: كان لي صديقان أحدهما هاشمي " والآخر نبطي " وكنا كنفس واحدة، فنالتني ضيقة شديدة وحضر العيد فقالت لي امرأتي: أما نحن في أنفسنا فنصبر على البؤس والشدة، وأما صبياننا هؤلاء قد قطعوا قلبي رحمة لهم، لأنهم يرون صبيان جيراننا وقد تزينوا في عيدهم وهم على الهيئة، فلو احتلت فيما نصرفه في كسوتهم، فكتبت إلى صديقي الهاشمي أسأله التوسعة علي مما حضر، فوجه إلي كيساً مختوماً ذكر أن فيه ألف درهم، فما استقر قراره حتى كتب إلي الصديق الآخر يشكو مثل ما شكوته صاحبي، فوجهت إليه بالكيس على حاله وخرجت إلى المسجد فأقمت ليلتي مستحيياً من امرأتي، فلما دخلت عليها استحسنت ذلك ولم تعنفني فيه، فبينا أنا كذلك إذ وافى صديقي الهاشمي ومعه الكيس على هيئته وقال: أصدقني عما فعلته فيما وجهت به إليك، فعرفته الخبر على جليته فقال: إنك وجهت إلي وما أملك على الأرض إلا ما بعثت به إليك، وكتبت إلى صديقنا أسأله المواساة فوجه إلي بكيسي وخاتمي قال: فأخرجت للمرأة مائة درهم وتقاسمنا الباقي بيننا أثلاثاً. ونمي الخبر إلى المأمون فدعاني وسألني عنه فشرحته له، فأمر لنا بسبعة آلاف دينار منها ألف للمرأة وألفان لكل واحد منا.
حكاية
قال أبو الفرج الأصبهاني: حدثني أحمد بن أبي طاهر قال: حدثني أبو دعامة علي بن يزيد قال: حدثني التميمي أو محمد قال: دخلت على الحسن بن سهل فأنشدته مديحاً في المأمون ومديحاً فيه، وعنده طاهر بن الحسين، فقال له طاهر: هذا والله أيها الأمير الذي يقول في محمد المخلوع:
لا بد من سكرة على طرب ... لعل روحاً يدال من كرب
خليفة الله خير منتخب ... لخير أم من هاشم وأب
خلافة الله قد توارثها ... آباؤه في سوالف الكتب
فهي له دنكم لمورثة ... عن خاتم الأنبياء في الحقب
يا ابن الذي في ذوائب الش ... رف الأقدم أنتم دعائم العرب
قال الحسن: عرض والله ابن اللخناء بأمير المؤمنين، والله لأعلمنه، وقام إلى المأمون فأخبره فقال له المأمون: وما عليه في ذلك؟ رجل أمل رجلا فمدحه، والله لقد أحسن لنا وأساء إليه، إذ لم يقترب إليه إلا بشرب الخمر، ثم دعاني فخلع علي وأمر لي بعشرة آلاف درهم
حكاية
قبيل خرج عبد الملك بن مروان إلى الغوطة متنزهاً، فبينا هو يسير مر على قنطرة منصوبة على بعض مياهها، وقد تأخر عنه العسكر وانفرد عن حشمه، فلما نزل من القنطرة جاءه رجل من العرب على فرس فراعه ذلك، فقال له: من أنت وما أمرك؟ فقال يا أمير المؤمنين أنا أحد فرسان العرب، وقد دعاني إليك أملي إياك، وتعويل أهل الحاجة عليك، فارددني إلى أهلي سالماً، ومن مالك موفوراً غانماً، قال: يا أخا العرب، أما سمعت قول الشاعر: