أبو منصور سعيد بن أحمد اليزيدي، سأله أبو بكر بن زيد عما يحبه ويشتهيه قال: قشور الدجاج الفتية المسمنة المشوية، والسكباج التي يجمع فيها بين لحم البقر ولحم الغنم السمين، ثم ينفى عنها لحم البقر، وتغلى بالسكر وتطيب بالعنبر، والهريسة بالحملان والفراريج السمان، والتعلية بالمح والمخ، وما على جنوب الحملان التي رضعت شهرين ورعت شهرين من اللحم المجزع، والمائعة بالأرز، والقطايف المعمولة باللوز المدقوق والسكر المسحوق، والمبخرة بالند، المشربة بالجلاب وماء الورد. فقال له: يا أبا منصور، قد تحلب فمي من هذا الوصف فأشهد أنك من أبناء النعم.
الشيخ العميد أبو نصر بن ميكال، قال الأمير محمود بن القاسم بن باتكين الغازي رحمه الله تعالى يوماً لندمائه: يروى أن سليمان ابن داود صلى الله عليه وسلم كان يطوف في الليلة الواحدة على أربعين امرأة. فقال أبو نصر: لا بدع ولا عجب، ولقد كانت الريح مسخرة له تجري بأمره. فقهقه الأمير وأعجبه كلامه.
أبو الفضل أحمد بن عبد الله الميكالي من ظريف كلامه: كلامك أعذب من فرات المطر، وأعبق من فتات المسك والعنبر.
الباب الخامس
لطائف الأدباء والبلغاء
أبو عمرو بن العلاء وصف رجلاً من أصدقائه فقال: إن كان لله عبد مخلوق من الذهب الأحمر والمسك الأذفر فهو ذاك.
ونظر إلى رجل من أصحابه وعليه ثياب خضر مشهرة فقال: يا بني، كل ما تشتهي والبس ما تشتهيه الناس. قد نظمه بعضهم، شعر كامل:
إن العيون رمتك من باجاتها ... وعليك من شهر اللباس لباس
أما الطعام فكل لنفسك ما اشتهت ... والبس ثيابك ما اشتهته الناس
أبو زيد الأنصاري كان يقول: دنياي من أربعة دراهم: درهم أدخل به حماماً في ضحاة النهار، ودرهم أشتري به كوزاً جديداً أستعذب فيه مائي، ودرهم أشتري به ريحاناً أغذي به روحي ودرهم أستكتب به وراقاً ينوب عني في الكتابة.
الخليل بن أحمد البصري، قال اليزيدي: دخلت عليه يوماً فقال لي: إلي إلي يا أبا محمد، فإن سم الخياط لا يضيق على متصادقين، والدنيا لا تسع متباغضين.
الأصمعي قال: دخلت على الفضل بن الربيع في يوم بارد وعلي ثياب قطن فقال لي: أين دواجك؟ فقلت: معك في خزائنك أصلحك الله. فضحك وأمر لي بدواج سمور.
ومثله أبو العميثل دخل على عبد الله بن طاهر في يوم من أيام الخريف وعليه قباء خز فقال: يا أبا العميثل، ما أعددت للشتاء؟ قال: خلع الأمير. فقال: عجلوها له.
واستقرض جار الأصمعي منه دريهمات فقال له: أين الرهن؟ قال: ألست واثقاً بي؟ قال: بلى، وهذا خليل الله صلوات الله وسلامه عليه كان واثقاً بربه حيث قال: " ولكن ليطمئن قلبي ".
العتابي قال للمأمون في كلام جرى معه عنده: لا دين إلا بك، ولا دنيا إلا معك.
محمد بن سبالة كتب إلى صديق يستقرضه، فكتب يعتذر من الإضاقة. فقال له: إن كنت كاذباً فجعلك الله صادقاً، وإن كنت ملوماً فجعلك الله معذوراً.
ابن الحباب قيل له: أي متاع الدنيا عندك آثر؟ قال: رغيف أزهر، وطبيخ أصفر، وشراب أحمر، وغلام أحور، وكيس أعجز.
أبو إسحاق النظام كتب إلى بعض الأصحاب الرؤساء: إن بناء الدنيا قد كلح وطمح وجمح فجرح فأفسد ما أصلح، فإن لم تعن عليه فضح.
الجاحظ وصف الفروج بلفظتين متوازنتين متشابهتين لا أحسن ولا أظرف منهما: يخرج كاسياً كاسباً.
ونظر يوماً في الحمام إلى القيم وقد انتشر عليه فقال: ينبغي أن يقعد أحد القيمين فقد كفانا واحد! وقال في وصف الدفتر: من لك ببستان يحمل في كم، وروضة نقلت في حجر، ينطق عن الموتى ويترجم كلام الأحياء؟.
وكان يأكل الفالوذج مع محمد بن عبد الملك الزيات، فأمر محمد أن يجعل بين يدي الجاحظ ما رق من الجام، ثم قال: تقشعت سماؤك قبل سماء الناس! فقال: أصلحك الله، لأن غيمها كان رقيقاً!.
أبو العيناء قال له المتوكل: كيف ترى دارنا هذه؟ فقال: يا أمير المؤمنين، رأيت الناس يبنون الدور في الدنيا، وأنت بنيت الدنيا في دارك. وقد نظم بعض الأدباء في الصاحب فقال وأجاد: هزج.
ولي مسألة بعد ... فقابلني بأخبار
بنيت الدار في دنيا ... ك أم دنياك في الدار
ولقيه ابن مقلة سحراً فعجب من بكوره فقال: يا عجباً شاركني في الفعل وانفرد في التعجب.