فلما بلغت الأبيات أبا تمام قال: صدق الله وأحسن، وثنى عنانه عن البصرة، وحلف لا يدخلها أبدا. وقال أبو سعيد المخزومي:
الكلب والشاعر في حالة ... يا ليتني لم أكن شاعرا
أما تراه باسطا كفّه ... يستطعم الوارد والصادرا
ولبعضهم:
إني أرى الشعراء أفنوا دهرهم ... في وصف كلّ حبيبة وحبيب
وسواهمو يحظى بما وصفوا له ... فهموا كما القوّاد في الترغيب
لكن ترى القوّاد يظفر بالعطا ... وهمو بمقت الله والتكذيب
وقال أبو سعيد الرستمي الأصبهاني:
تركت الشعر للشعراء إني ... رأيت الشعر من سقط المتاع «1»
قيل: إن ظفر بن سعيد كان أديبا فاضلا لبيبا، كتب على حاشية الكتاب هذين البيتين، وأخذته غيرة الأدب فقال: كذب قائل هذا الشعر لقد وهم فيما شبه: إذا كان الكلب يلقى إليه لقائط الموائد، وهذا يخص بأنواع الفرائد، وذاك يطعم رحمة، وهذا يعطى خشية، وله من الفضائل ما يقرع طباع اللئيم ويهز عطف الكريم، ويستدل بصناعته على جواهر المعاني ولو قال هذين البيتين لأصاب وأنصف:
يمدح أقواما يرجي الغنا ... وإنما يحرك في نحسه
يكذب في المدح ويعطونه ... وعدا ويقضى الدين من جنسه