نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 78
معها على الغامض، ويصل بها إلى الخفي، حتى كأن بَسْلًا حرامًا أن تتجلى معانيهم سافرة الوجه لا نقاب لها، وبادية الصفحة لا حجاب دونها"[1]. وحقًّا أن كتب النقد والفصاحة عندنا مملوءة بكثير من هذه العبارات التي نجدها عند الآمدي، واليت تذهب إلى الرمز والتلويح والإشارة من طرف خفي، ويظهر أن هذا عيب يعم في النقد جميعه العربي والغربي؛ فنحن نجد "رتشاردز" يعقد فصلًا في كتابه "أصول النقد الأدبي" يبحث فيه لغة النقد، ويشكو من إبهامها وغموضها نفس هذه الشكوى التي نجدها عند عبد القاهر[2].
وإذن فينبغي أن نحترس من عبارات الآمدي وأمثالها، وإن كانت تلفتنا إلى أن جمال الشعر عند البحتري لا يستقر في وعاء فلسفي أو ثقافي؛ إنما يستقر في المادة والجسم وما به من سبك وخفة ورشاقة، ولكن هل نستطيع أن نقيس هذا الجانب الصوتي الداخلي ونحلله؟ وإذا استطعنا فبأي شيء نقيسه؟ هل يمكن أن نقيسه بالعروض؟ يقول النقاد: إن العروض إنما يقيس "الموسيقى الخارجية" للشعر، أما هذه "الموسيقى الداخلية" فإنه يفشل في قياسها لأنها "قيم صوتية خفية" لا يمكنه ضبطها، وأشار إلى ذلك "لامبورن" في كتابه "أسس النقد"؛ إذ يقول: "توجد موسيقى داخلية في الشعر وهو أوسع من الوزن والنظم المجردين"[3]. ويقول "سبنجارن" في كتابه: "النقد الخالق": "إن البيتين من الشعر المرسل قد يتطابقان في الوزن ولكن من لا يشعر باختلاف بينهما كاختلاف شعر بوب من نثر دي كوينسي؟ "[4]. وحقًّا أنه لا يوجد بيتان في الشعر من صوت متكافئ واحد قد يتفقان في رقيمهما الموسيقي؛ ولكنهما يختلفان بعد ذلك في قيمهما الصوتية الداخلية، فلكل بيت صوته الخاص الذي لا يتحد مع صوت بيت آخر والذي يفضي بنا دائمًا إلى هذا الجمال الموسيقي الغريب. [1] دلائل الإعجاز ص320. [2] RICHARDS, PRINCIPLES OF LITERARY CITICISM, CHAP.III. [3] LAMBORN, RUDIMENTS OF CRITICISM, CHAP. II.. [4] SPINGARN, CRAITIVE CRITICISM,P.45.
نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 78