نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 380
ذلك كان سريع الحفظ أيضًا سرعة شديدة، روى ابن فضل الله العمري في مسالك الأبصار أنه لما دخل بغداد أرادوا امتحانه؛ فأحضروا دستور الخراج الذي في الديوان وجعلوا يوردون ذلك عليه مياومة، وهو يسمع إلى أن فرغوا؛ فابتدأ أبو العلاء وسرد عليهم كل ما أوردوه عليه[1]. ويروي القفطي أنه كان يحفظ ما يمر بسمعه، وأن رجلًا من اليمن وقع إليه كتاب في اللغة سقط أوله وأعجبه جمعه وترتيبه فكان يحمله معه ويحج؛ فإذا اجتمع بمن فيه أدب أراه إياه وسأله عن اسمه واسم مصنفه، فلا يجد أحدًا يخبره بأمره، واتفق أن وجد من يعلم حال أبي العلاء فدله عليه، فخرج الرجل بالكتاب إلى الشام ووصل إلى المعرة واجتمع بأبي العلاء وعرفه ما حاله، وأحضر الكتاب وهو مقطوع الأول؛ فقال له أبو العلاء: اقرأ منه شيئًا، فقرأ عليه فقال له أبو العلاء: هذا الكتاب اسمه كذا ومصنفه فلان، ثم قرأ عليه من أول الكتاب إلى أن وصل إلى ما هو عند الرجل؛ فنقل عنه النقص، وأكمل عليه تصحيح النسخة، وانفصل إلى اليمن فأخبر الأدباء بذلك، وقد قيل إن هذا الكتاب هو ديوان الأدب للفارابي اللغوي، وهو مضبوط على أوزان الأفعال"[2].
كان أبو العلاء قوي الحافظة -على ما يظهر- قوة شديدة، وكان لا يقرأ عليه كتاب إلا حفظ منه أطرافًا حتى ليروي الرواة أنه لما ذهب إلى بغداد طلب أن تعرض عليه الكتب التي في خزائنها؛ فكان كلما قرئ عليه شيء حفظه، وهم يروون أنه كان يحفظ المحكم والمخصص وأنه أملاهما من صدره[3]! ولا تقف القصص بحفظ أبي العلاء عند نصوص اللغة العربية وكتبها، بل إنها لتمتد فتزعم أنه كان يحفظ ما يسمعه بين رجلين بالفارسية أو بالأذربية[4].
وربما كان كثير من هذه القصص مبالغ فيه ولكنها مع ذلك تدل على أن الرجل اشتهر في عصره بحدة الذكاء وسرعة الحفظ. يقول ابن العديم: "كان أبو العلاء على غاية من الذكاء والحفظ، وقيل له: بم بلغت هذه الرتبة في العلم؟ فقال: ما سمعت شيئًا إلا حفظته، وما حفظت شيئًا فنسيته"[5]. [1] تعريف القدماء ص226. [2] تعريف القدماء ص 33 [3] النور السافر: للعيدروسي "طبع بغداد" ص412. [4] تعريف القدماء ص13- 225. [5] تعريف القدماء بأبي العلاء ص551.
نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 380