نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 328
فَهَذِهِ الأَرواحُ مِن جَوِّهِ ... وَهَذِهِ الأَجسامُ مِن تُربِهِ
وحاول صاحب خزانة الأدب أن يتهمه في عقيدته لبعض هذه الأبيات التي ذكرناها[2]، وينبغي أن نعرف أن هذه الأفكار لم تكن تأتي في شعره عن عقيدة أو مذهب؛ إنما كانت تسرب إليه من ثقافته الفلسفية، فهو ليس شاكًّا وليس على مذهب الهوائية إنما هو شاعر من شعراء القرن الرابع الذين كانوا يتصنعون للأفكار الفلسفية.
ومن الواجب أن نفصل بين المتنبي والفلسفة مرة أخرى؛ فقد غلا بعض النقاد المحدثين، وذهب إلى أنه كان فيلسوفًا لا يقل عن الفلاسفة المحدثين، بل لقد سبق "نيتشه" إلى كثير من أفكاره وآرائه وأخذ يقارن بينه وبين "دارون" في بحثه وطريقته[3]. وأكبر الظن أن هذا إسراف من العقاد ومن يذهب هذا المذهب في المقارنة بين أشخاص عاشوا في بيئات مختلفة وكانوا من أجناس مختلفة. ونحن لا ننكر أن هناك جانبًا من الفكر مشتركًا بين الناس جميعًا، ولولاه ما تفاهموا، ولا قامت دراسة المنطق، ولكن هذا الجانب يحسن أن لا نبالغ في تصوره وأن لا نضعه كأساس أو أصل للمقارنة في النقد، واتخاذه دليلًا على ما نذهب إليه من آراء وأحكام، وبخاصة إذا كانت هذه الآراء والأحكام تستمد من فكرة طائرة عند شاعر. وحقًا لو أن المتنبي فيلسوف لأمكن أن تقوم هذه المقارنة مع شيء من الاحتياط، أما أن نستنتج فلسفته من فكرة طائرة نتخذها مذهبًا له أو كالمذهب، ثم نقارن بينه وبين فيلسوف غربي على أساسها؛ فإننا نكون مبالغين مفرطين في المبالغة، إذن لكان الشعراء السابقون جميعًا فلاسفة وفلاسفة عصريين. ولسنا نرتاب في أن مثل هذه الافتراضات والمقارنات توقع في شيء من التحكم، وقد حمل عليها بلاشير في بحثه على المتنبي وهو محق فيما لاحظه عليها من إسراف[4]. ومهما يكن فإن المتنبي لم يكن فيلسوفًا؛ وإنما كان مثقفًا بالثقافة الفلسفية التي عاصرته وقد أخذ يتصنع لها في شعره يستعير حكمها وبعض أفكارها، وما يطوى فيها من أقيسة منطقية وقوالب فلسفية حتى يعجب المثقفين من حوله؛ إذ كانت هذه الأشياء التي تجلب من الفلسفة تعتبر بدعًا طريفًا في هذه العصور.
1 سرح العيون: لابن نباتة المصري ص17. [2] خزانة الأدب: للبغدادي 1/ 380. [3] مطالعات في الكتب والحياة: العقاد ص144-174. [4] R. BLACHERE, ABOU T-TAYYIB AL MOTANABBI PP-311,319.
نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 328