نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 196
فأبو تمام يدخل الفلسفة في العمل الفني على أنها شيء أساسي؛ فالشعر لا يخاطب الشعور فقط بل هو يخاطب العقل قبل كل شيء، وهو لذلك قد يعدل في أدوات التصنيع التي يستخدمها غيره، وهو تعديل يرضينا ويرضي عقولنا، ومن لا يروعه هذا الطباق الفلسفي الذي يقيمه أبو تمام على قانون الأضداد المعروف في الفلسفة؛ فإذا هو لا يعتمد على العبث اللفظي ولا على هذه المعاني التي تتوالي في الذهن حين نذكر الليل فيأتي النهار أو الضوء فيأتي الظلام أو غير ذلك من مقابلات تخرج من وعاء الذاكرة، بل هو يعقد هذا الطباق ويجعله عملًا عقليًّا واسعًا؛ ففيه خيال وفيه تناقض وتضاد، وفيه هذه الدابة التي لا تزال تَرعى وتُرعى، ترعى الفيافي وترعاها الفيافي!
3- البحتريُّ لا يستخدمُ الثقافةَ الحديثةَ:
لم يكن البحتري يعتمد في شعره على فلسفة وثقافة يعقدان في أدواته، وكان يعرف ذلك من نفسه، كما كان يعرفه معاصروه، وتلوَّموه من أجله فرد عليهم بقوله:
كلفتمونا حدودَ منطقِكُم ... والشعرُ يغني عن صدقِهِ كذبُهْ
ولم يكن ذو القروحِ يلهجُ بالـ ... منطق ما نوعه وما سببُهْ
والشعرُ لَمْحٌ تكفي إشارتُه ... وليس بالهذرِ طوِّلت خطبُهْ
ولكن أحقًّا ما يقول البحتري من أن الشعر لا يحتاج فلسفة ولا منطقًا؟ إن وقائع الفن المادية في العصر العباسي لا تتفق وهذا القول؛ فقد دخلت الفلسفة والمنطق في صناعة الشعر وعقَّدا في وسائله وأدواته هذا التعقيد الذي رأينا وجها من وجوهه عند أبي تمام، ولا ينفع البحتري استشهاده بامرئ القيس، حقًّا أن امرأ القيس لم يكن يعرف فلسفة ولا منطقًا، ولكن هل يمكن تطبيق ذلك على العصر العباسي؟ إن امرأ القيس تثقف بالثقافة التي عاصرته، وهي لم تشفع
نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 196