نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 190
شديد، ويؤثر عنه أنه كان يتخذ طريقة غريبة في ابتزاز الأموال من أصدقائه؛ إذ كان له عبد يسمى نسيمًا يبيعه لهم، وسرعان ما ينشئ قصائد يظهر فيها الندم على بيعه؛ فكانوا يردونه إليه[1]. ولم يكتف بشراء الضياع في العراق؛ فقد كانت له ضياع في بلدته منبج. ونراه يَحِنُّ إليها في أواخر حياته، فيرحل إليها، ويقال بل لقد اضطر إلى هذا الرحيل؛ إذ قال في بعض شعره واصفًا الدنيا:
تراها عيانًا وهي صنعةُ واحدٍ ... فتحسبها صنعى حكيم وأخرق
فتشنع عليه بعض أعدائه بأنه ثنوي، وكانت العامة غالبة حينئذ على بغداد فخاف على نفسه، وخرج إلى بَلَدِهِ[2]؛ غير أن المقام فيها لم يَطُلْ به إذ وافته منيَّتُه سنة 284 للهجرة.
والبحتري بدون شك من أكبر الشعراء الذين ظهروا في القرن الثالث الهجري وهو يجيد إجادة بديعة في مدائحه واعتذاراته، كما يجيد في غزله، واشتهر بأنه أحب في مطالع حياته امرأة تسمَّى علوة من قرية بجوار حلب تسمى بطياس، وله فيها غزل كثير؛ إذ كان دائم الصبابة بها، وظلت لا تغيب عن ذاكرته مددًا متطاولة، وإن كنا نجد في ديوانه قصيدة يهجوها بها[3]؛ غير أن هذا الهجاء كان سحابة عارضة، فقد رجع يتغنى بها طويلًا، وتلك طريقة تكثر عنده؛ فقد هجا غير ممدوح، وهي سُنة معروفة عند بعض الشعراء، يهجون أحيانًا ممدوحيهم ليخيفوهم ويجزلوا لهم في العطاء. ولم يكن بارعًا في الهجاء، فهجاؤه ضعيف، ويقال إنه أمر ابنه أن يحرق أشعاره فيه حين حضرته الوفاة[4]، ولم يكن يخشى أحدًا كما كان يخشى كبار الهجائين في عصره من أمثال دعبل وابن الرومي، وكان الأخير خاصة يتعرض له فيلوذ بالصمت، وربما كان أروع موضوع عنده هو الوصف فقد كان يجيد وصف القصور والبرك [1] أغاني "طبعة الساسي" 18/ 171. [2] أمالي المرتضي 2/ 299 وانظر الموشح ص342. [3] الديوان 2/ 109. [4] أغاني "ساسي" 18/ 167.
نام کتاب : الفن ومذاهبه في الشعر العربي نویسنده : شوقي ضيف جلد : 1 صفحه : 190