نام کتاب : العيون الغامزة على خبايا الرامزة نویسنده : البَدْر الدَّماميني جلد : 1 صفحه : 89
أقول: يعني أن الفتحة التي قبل ألف التأسيس تُسمى الرّس، نحو فتحة واو ((الرَّواحل)) ونون ((المنازل) ونون ((المنازل)) . وحكى ابن جنى أن الجرمى أنكر تسمية هذه الحركة، ووجه الإنكار أن الألف لا يكون ما قبلها إلا مفتوحاً فلا فائدةَ في ذكره. قال ابن جنى: سُمي بذلك من قولهم ((رستُ الشيء)) ابتدائه على خفاء، ومنه رَسُّ الحُمى، ورسيسها، وهو فترها وأول ما يوجد منها، ومنه الرّسّ للبئر القديمة، سُميت بذلك لتقدّمها ولأنها أخفى آثار العمارة. فإذا كان معنى ((رس)) إنما هو لِما خفى وقُدّمَ سُميت الفتحةُ قبل ألف التأسيس رسَّاً لأنه اجتمع فيها الخفاء والتقدم. أمَّا التقدم فلتراخيها عن حرف الروي وبُعدها عنه، وأما الخفاء فلأنها بعضُ حرف خفيّ وهو الألف، وإذا كان الكلّ خفياً فالبعض أولى بالخفاء من الكل. ويدلّ على خفاء الألف أنها لا اعتمادها على موضع من مخارج الحروف، وإنما هي كالنّفس، ولذلك بُينتْ بالهاء في الوقف في نحو ((يا زيداه)) و ((يا رباه)) كما تُبين الحركات نحو ((لمه)) و ((عمه)) و ((فيمه)) ، وقوله ((بعد الدخيل)) يعني أن الحرف الذي بعد ألف التأسيس يُسمى الدخيل نحو حاء ((الرواحل)) وزاي ((المنازل)) ويدلّ على أن الدخيل هو الحرفُ قوله ((حركوه)) لأن المحَّرك حرفٌ قطعاً، وسُمي دخيلاً لأنه دخيلٌ في القافية، ألا تراه يجيء مختلفاً بعد الحرف الذي لا يجوز اختلافه وهو ألف التأسيس، فلمّا جاء مختلفاً متفق وفارق بذلك أحكام ما في القافية صار كأنه مُلحقٌ بها ومدخل فيها. ووقع في كلام الناظم جعل الغايةِ خبراً، وذلك لان قوله ((الدخيل)) مبتدأ وقوله ((بعد)) غايةٌ، وقد نصّ سيبويه وجماعةٌ من المحققين على أن الغاياتِ لا تقع أخباراً ولا صلاتٍ ولاصفاتٍ ولا أحوالاً. فإن قلت: فما تصنع بقوله تعالى في سورة الروم (كيف كان علقبة الذين من قبلُ) ؟ قلتُ: هذا السؤالُ استشكل به ابن هشام في المغنى قولَ المحققين ولم يجب عنه. ويمكن الجواب بأنا لا نسلّم أن قوله تعالى ((من قبل)) صلةُ ((الذين)) بل الصلةُ هي قوله تعالى (كان أكثرهم مشركين) و ((من قبل)) ظرفٌ لغوٌ متعلقٌ بخبر ((كان)) وقُدّم عليه ولا مانع، فلا إشكال حينئذ على سيبويه ولا على غيره من المحققين. وأضاف الناظم ((فتحة)) إلى قوله ((قبل)) مع انه غاية، وإنما مرادهُ: وفتحةُ الحرف الذي قبل التأسيس، ففيه ما تقدمَ من الإشكال وزيادةً حذف الموصولِ وبقاءِ صلته، فتأمل. وقوله ((وحركوه بإشباع)) يعني أنهم حركوا الدخيل بحركة هي المسماة عندهم بالإشباع ككسرة الحاء والزاي من ((الرواحل)) و ((المنازل)) . وسمي بذلك من قبل أنه ليس قبلَ الرويّ حرفٌ مُسمى إلا ساكناً، أعني التأسيس والردفَ، فلما جاء الدخيل محرَّكاً مخالفاً للتأسيس والردف صارت الحركةُ كالإشباع له، وذلك لزيادة المتحرك على الساكن لا عتماده بالحركة وتمكينه بها. وقوله ((فمن ساند اعتدى)) يريد أن السنادّ عيب إذا ارتكبه الشاعر اعتدى لكونه تجاوز حدّ ما يستحسن إلى ما يُعاب ويقبح. وبعضُ علماء هذا الفن يقول: هو كلّ عيب يلحق القافية، أي عيب كان. وقيل: هو كلّ عيب سوى الإقواء والإكفاء والإيطاء، وبه قال الزجَّاجي، وقيل: هو اختلاف ما قبل الروي وما بعده من حركةٍ أو حرف، وبه قال الرمّاني. وقيل: هو اختلاف الإرداف فقط، وبه قال أبو عبيد. وقيل: هو كل عيب يحدث قبل الروي خاصةً، وبه قال ابن جنى، وهو الصحيح وإياه اعتمد الناظم كما تراه. قال:
بذا وبتأسيسٍ وحذوٍ وردفها ... وتوجيهها مثلُ ارتدعء دَع وَرُعْ فضشَا
أقول: أشار بقوله ((ذا)) إلى الإشباع، يعني أن السِّناد يكون في الإشباع وفي التأسيس وفي الحذو وفي الردف، فسناد الإشباع اختلافه كقوله:
وكنّا كغصنىْ بانةٍ ليس واحدٌ ... يزول على الحالات عن رأي واحدِ
يبدَّلَ بي خلاًّ فخاللتُ غيرهُ ... وخليتُه لمّا أراد تباعدِى
وسناد التأسيس تركه في بيت دون آخر كقوله:
لو أن صدور الامر يبدون للفتى ... كأعقابه لم تَلقَهُ يتندمُ
إذا الأرضُ لم تجهل علىَّ فروجُها ... وإذ ليَ عن دار الهوان مُراغمُ
وأما قول العجاج:
يا دار سلمى يا لسلمى ثم اسلَمى ... فخندفٌ هامةٌ هذا العالم
نام کتاب : العيون الغامزة على خبايا الرامزة نویسنده : البَدْر الدَّماميني جلد : 1 صفحه : 89