نام کتاب : العقد المفصل نویسنده : الحلي، حيدر جلد : 1 صفحه : 96
فصل في المديح
قلت فيه هذه البديعة الغرّاء:
إنّ في الكرخ بين تلك البيوت ... كم لصبّ متيّم من خفوت
ولبيض فضيّة الجسم كم منْ ... وجنات تحمرُّ كالياقوتْ
يتعطّفنَ عن غصون رشيقات ... ويبسمن عن أغرَّ شتيت
كلّما أحيت الضحى دعت الشمس ... وقالت لها بغيظك موتي
مثل موت الحسود غيظا بفخر ال ... حسن الإسم في الورى والنعوت
ماجد يخفض التكرّم منه ... ما علت فيه عنوة الجبروت
عشقت نفسه مفاكهة العل ... ياء حتّى لقال حبّك قوتي
لم يزل بيته على أوّل الدن ... يا عيالٌ عليه كلُّ البيوت
قبلةٌ صلّت القوافي إليه ... قانتات بالمدح أيَّ قنوت
قد نفى الإثم مصطفى النسك عنه ... مذ بناه على التقى للثبوت
يابن قوم ما ناضلوا الخصم إلاّ ... شغلوه بسنّة المنكوت
خلق الناس للكلام ولكن ... خلقوا إن نطقتم للسكوت
الصب، قال في القاموس: الصبابة هي الشوق أورقته أورقة الهوى، يقال: صببت تصبّ فأنت صبّ وهي صبّة.
وقال الجوهري: الصبابة رقّة الشوق وحرارته، يقال: رجل صبّ أي عاشق مشتاق، وقد صببت يا رجل بالكسر قال الشاعر:
ولست تصب إلى الظاعنين ... إذا ما صديقك لم يصبب
والمتيّم العبد المذلّل. قال في القاموس: تامّته المرأة أو العشق أو الحب تيماً وتيمته تيتيماً عبدته وذلّلته.
والخفوت السكون، يقال: خفت الصوت، سكن، ولهذا يقال للميّت خفت إذا انقطع كلامه وسكت فهو خافت، وخفت خفاتاً أي مات فجأةً، قال الشاعر:
لعمرك إنّي يوم بانوا فلم أمت ... خفاتاً على آثارهم لصبور
والخفوت بفتح الخاء، المرأة المهزولة أو التي تستحسن وحدها لا بين النساء.
قلت: وهذا البيت من جملة أبيات ذكرها السيّد المرتضى في الدرر، قال: إنّ الأصمعي قال: نزلت ذات ليلة في وادي بني العنبر وهو إذ ذاك مغان بأهله (أي أهلٌ بهم) وإذا فتية يريدون البصرة، فأحببت صحبتهم، فأقمت ليلتي تلك عليهم وإنّي لوصب محموم أخاف أن لا أستمسك على راحلتي، فلمّا قاموا ليرحلوا أيقظوني، فلمّا رأوا حالتيى رحّلوا لي وحمّلوني وركب أحدهم ورائي يمسكني، فلمّا أمعن السير تنادوا: ألا فتىً يحدو بنا أو ينشدنا؟ فإذا منشد في سواد الليل بصوت ند (أي مرتفع حزين) :
لعمرك إنّي يوم بانوا فلم أمت ... خفاتاً على آثارهم لصبور
غداة المنقى إذ رميت بنظرة ... ونحن على متن الطريق نسير
فقلت لقلبي حين خفّ به الهوى ... وكاد من الوجد المبرّ يطير
فهذا ولمّا تمض للبين ليلة ... فكيف إذا مرّت عليه شهور
وأصبح أعلام الأحبّة دونها ... من الأرض غولٌ نازح ومسير
وأصبحت نجديّ الهوى متّهم النوى ... أزيد اشتياقاً أن يحنّ بعير
عسى الله بعد النأي أن يسعف النوى ... ويجمع شملٌ بعدها وسرور
قال: فسكنت والله الحمّى عنّي حتّى ما أحسّ بها، فقلت لرديفي: أنزل رحمك الله إلى راحلتك فإنّي متماسك، وجزاك الله عن الصحبة خيراً.
فأمّا قوله: أن يسعف النوى أي يسعفنا بتقريب النوى، فاختصر.
رَجْعٌ إلى بيان ما لعلّه يحتاج إلى البيان من ألفاظ المقطوعة: المراد بالبيض النساء، وما زالت الشعراء تستحسن وصفهنَّ بالبياض والسمرة، وقد نظمت ذلك كثيراً في أشعارها.
وقولنا: فضيّة الجسم أي كأنّ جسمها مصوغ من الفضّة لشدّة بياضه.
وقولنا: وجنات تحمر كالياقوت أي إنّ وجناتها مع بياضها المتقدّم وصفه فيها حمرة كحمرة الياقوت، وهذا من أحسن ما تنعت به مع أنّ إيراده بلفظ تحمرُّ فيه إشعار بأنّ هذه الحمرة من شدّه خجلها حين تعاين كثرة عشّاقها الذين خفتوا أي ماتوا وانقطع كلامهم لشدّة شغفهم بها.
ومعنى يتعطّفن يتمايلن ويتثنين عن قدود حسنة لطيفة كأنّها الأغصان الرشيقة. وإطلاق اسم الأغصان عليها لشدّة الشبه.
ومعنى يتبسّمن عن أغرّ شتيت أي عن ثغر أبيض متباعد الأسنان. قال في القاموس: الشتيت المفرق والمشتت، ومن الثغر المفلج، يقال: هو فلج الأسنان أي متباعدها، ولابدّ من ذكر الأسنان، ولا يقال هو أفلج فقط. وما ألطف قول أبي البحتري وأرشقه:
ولم أنس إذ راحوا مطيعين للنوى ... وقد وقفت ذات الوشاحين والوقف
نام کتاب : العقد المفصل نویسنده : الحلي، حيدر جلد : 1 صفحه : 96