نام کتاب : العقد المفصل نویسنده : الحلي، حيدر جلد : 1 صفحه : 63
وذكر أنّ عمر بن هبيرة الفزاري أشرف من قصره فإذا هو بأعرابي يحثّ بعيره، فقال لحاجبه: لا تحجب هذا الأعرابي عنّي، فلمّا دنى سأله الحاجب عن شأنه، فقال: إنّي وفدت على الأمير، فأدخله إليه، فلمّا مثل بين يديه قال له عمر: ما خطبك يا أعرابي؟ قال:
أصلحك الله قلّ ما بيدي ... ولا أُطيق العيال إذ كثروا
أناخ دهري عَلَيّ كلكله ... فأرسلوني إليك وانتظروا
قال: فأخذت عمر الأريحيّة فجعل يهتزّ في مجلسه ويقول: أرسلوك وانتظروا؟ إذاً والله لا تجلس حتّى ترجع إليهم، ثمّ أمر له بألف دينار وردّه من ساعته على بعيره.
وكتب معاوية لمروان بن الحكم يأمره ببيع دور كثير بن الصلت لغرمائه، قال كثير: ففكآرت بمن أذهب إليه فلم أجد مثل قيس بن سعد بن عبادة، وكانت بيني وبينه هجرة، فتحاملت على الذهبا إليه على ما كان بيني وبينه على ما أعلمه من كرمه واحتماله، فلمّا رآني رحّب بي وأدناني وقال: ما الذي أتى بك إلينا؟ فأعلمته بالذي يراد من بيع دوري لغرمائي، وإنّي تذكّرت من أفزع إليه فلم أجد أحداً سواه، فسرَّ بذلك وقال: قد أصبت بالذي قد فعلت، كم دينك؟ قلت: تسعون ألف درهم، فأعطاني إيّاها، فأصبحت فقضيت النّاس الأوّل فالأوّل حتّى لم يبق عَلَيّ شيء ثمّ يسّر الله تعالى بعد ذلك فأتيته بها وجزيته خيراً، فقال: والله ما كان ليرجع إليّ شيء خرج منّي في ذمّة الله عزّوجلّ، فردّها عَلَيّ ولم يقبلها.
وذكر بعض الروات أنّ مالك بن طوق بينا هو جالس في بهو مطلّ على رحبته ومعه جلساؤه إذ أقبل أعرابي تخدّ به راحلته، فقال: ما أقدمك يا أعرابي؟ قال: الأمل في سيب الأمير، والرجاء لنائله. قال: فهل قدّمت أمام رغبتك وسيلة؟ قال: نعم، أربعة أبيات قلته بظهر البريّة، فلمّا رأيت ما بباب الأمير من الأُبّهة والجلالة استصغرتها. قال: فهل لك أن تنشدنا أبياتك ولك أربعة آلاف درهم، فإن كانت أبياتك أحسن فقد ربحنا عليك وإلاّ فقد نلت مرادك وربحت علينا؟ قال: قد رضيت، وأنشده:
وما زلت أخشى الدهر حتّى تعلّقت ... يداي بمن لا يتّقي الدهر صاحبه
فلمّا رآني الدهر تحت جناحه ... رأى مرتقىً صعباً منيعاً مطالبه
رآني بحيث النجم من رأس باذخ ... تظلّ الورى أكنافه وجوانبه
فتىً كسماء الغيث والناس دونه ... إذا أجدبوا جادت عليهم سحائبه
فقال مالك بن طوق: قد ظفرنا بك يا أعرابي، ما قيمتها إلاّ عشرة آلاف درهم. فقال الأعرابي: إنّ لي صاحباً شاركته فيها ما أراه يرضى ببيعي. قال: أظنّك حدّثت نفسك بالنكث؟ قال: نعم، وجدت النكث في البيع أسهل من خيانة الشريك، فضحك مالك منه وأمر له بالعشرة آلاف درهم.
وقيل: أتى عبيد الله بن العبّاس رجل من الأنصار فقال له: يابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولد الليلة لي مولود وقد سمّيته باسمك تبرّكاً بك، وإنّ أُمّه ماتت، فقال له عبيد الله: بارك الله لك في الهبة وأجزل لك الأجر على المصيبة، ثمّ دعا بوكيله وقال: إنطلق الساعة فاشتر للمولود جاريةً تحضنه، وادفع للرّجل مائتي دينار للنفعة على تربيته، ثمّ قال للأنصاري: عد إلينا بعد فإنّك أتيتنا وفي العيش يبس وفي النفقة قلّة. فقال الأنصاري: جعلت فداك والله لو سبقت حاتماً بيوم واحد ما ذكرته العرب، ولكنّه سبقك فصرت له تالياً وأنا أشهد أنّ عفو جودك أكثر من مجهوده، وطلّ كرمك أغزر من وايله.
وأتاه سائل وهو لا يعرفه، فقال له: تصدّق فإنّي نبّئت أنّ عبيد الله بن العبّاس أعطى سائلاً ألف درهم وهو لا يعرفه واعتذر إليه، فقال له: وأين أنا من عبيد الله بن العبّاس؟ قال له: أين أنت منه في الحسب أو في كثرة المال؟ قال: فيهما جميعاً. فقال: أمّا الحسب في الرجل فمروّته وفعله فإذا شئت فعلت وإذا فعلت كنت حسيباً، فأعطاه ألفي درهم واعتذر إليه من ضيق نفقته، فقال له السائل: إن لم تكن عبيد الله فأنت خير منه، وإن كنت إيّاه فأنت اليوم خير منك أمس.
وذكر صاحب الأنيس والجليس أنّ شاعراً وقف على باب معن بن زائدة الشيباني سنة كاملة لا يصل إليه، فرقّ عليه الحاجب وقال: يا هذا أُكتب إليه حاجتك واختصر فيها، فقال: والله لا زدت على بيت واحد من الشعر، ثمّ كتب في رقعة وختمها ودفعها إلى الحاجب، فأخذها إلى معن، فإذا مكتوب فيها:
نام کتاب : العقد المفصل نویسنده : الحلي، حيدر جلد : 1 صفحه : 63