نام کتاب : العقد المفصل نویسنده : الحلي، حيدر جلد : 1 صفحه : 15
وممّا جاء للشعراء في هذا الفصل قول بعضهم:
إذا ما قتلت الشيء علماً فقل به ... ولا تقل الشيء الذي أنت جاهله
وكان يقال: قتل أرضعاً عالمها وقتلت أرض جاهلها.
قال أبوالطيب المتنبّي:
قد بلوت الخطوب حلواً ومرّاً ... وملكت الأيّام حزناً وسهلاً
وقتلت الزمان علماً فما يغر ... ب قولاً ولا يجدّد فعلا
وقال أيضاً:
هذا الذي أفنى النظار مواهباً ... وعداه قتلاً والزمان تجاربا
وممّا ورد لبعض الشعراء يصف شاعراً بالذكاء لكنّه أخرجه مخرج التهكّم، وهو ظريف جدّاً:
وشاعر أوقد الطبع الذكاء له ... فكاد يحرقه من فرط أذكاء
أقام يجهد أيّاماً قريحته ... وشبّه الماء بعد الجهد بالماء
يريد بهذا قول القائل:
كأنّنا والماء من حولنا ... قوم جلوس حولهم ماء
قوله: أوقد الطبع الذكاء له، يقال: وقدت النار توقّدت هي وأوقدتها أنا واستوقدتها.
ومن الغايات في المدح بالذكاء قول أبي الطيب المتنبّي:
تعرف في عينه حقائقه ... كأنّه بالذكاء مكتحل
أشفق عند اتّقاد فكرته ... عليه منها أخاف يشتعل
وفي معنى البيت الثاني قول الخالدي:
لو لم يكن ماء علمي قاهراً فكري ... لأحرقتني في نيرانها فكري
وعكس هذا المعنى أبوالعلا المعرّى، فنقله من المدح بالذكاء إلى المدح بالشجاعة وشدّة العزم، فقال:
من كلّ من لولا تلهّب بأسه ... لا خضر في يمنى يديه الأسمر
قوله: الأخضر في يمنى يديه الأسمر، أخذه مهيار الديلمي أخذاً لطيفاً فقال، ونقله إلى المدح بالكرم:
لو ركبوا في عواليهم أناملهم ... يوم الوغى خضرت أطرافها الحمر
وحكى أبوالحسن العمري قال: دخلت على الشريف المرتضى فأراني بيتين قد عملهما وهما:
سرى طيف سعدي طارقاً فاستفزّني ... هبوباً وصحبي بالفلاة هجود
فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي ... لعلّ خيالاً طارقاً سيعود
فخرجت من عنده ودخلت على أخيه السيّد الرضي، فعرضت عليه البيتين، فقال بديهاً:
فردّت جواباً والدموع بوادر ... وقد آن للشمل المشتّ ورود
فهيهات من لقيا حبيب تعرّضت ... لنا دون لقياه مهامه بيد
فعدت إلى المرتضى بالخبر، فقال: يعزّ عَلَيّ أخي قتله الذكاء، فما كان إلاّ يسيراً حتّى مضى لسبيله.
وكان أياس معروفاً بالفطنة والذكاء والفراسة، وذكره أبو تمام في قوله:
إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء أياس
وقد جمع في ذكائه مجلّد.
يقال: إنّه نظر إلى ثلاث نسوة فزعن من شيء، فقال: هذه حامل وهذه مرضع وهذه بكر، فسُئِلنَ فكان الأمر كما ذكر، فقيل له: من أين لك ذلك؟ فقال: لمّا فزعن وضعت إحداهنّ يدها على بطنها والاُخرى على ثديها والاُخرى على فرجها.
أقول: وهو أياس بن معاوية، حكى المسعودي في شرح المقامات أنّ المهدي دخل البصرة فرأى أياس بن معاوية وهو صبي وخلفه أربعمائة من العلماء وغيرهم وهو مقدّمهم، فقال المهدي: أُف لهؤلاء الفتّانين، أما كان فيهم شيخ يتقدّمهم غير هذا الحدث؟! ثمّ إنّ المهدي إلتفت إليه وقال: كم سنّك يا فتى؟ فقال: سنّي أطال الله بقاء أميرالمؤمنين سنّ أُسامة بن زيد بن حارثة حين ولاّه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم جيشاً فيه أبو بكر وعمر، فقال له: تقدّم بارك الله فيك.
وقال السيّد الرضي يصف نفسه بالحزم:
ومالي بعلم الغيب إلاّ طليعة ... من الحزم لا يخفى عليها المغيّب
وقال مهيار في صدق الرأي:
يرى بوجه اليوم صدر غده ... تعطيه ما في المصدر الموارد
وقال أيضاً:
يطلعه نجد كلّ مشكلة ... فكرّ وراء الغيوب مطلع
وقال البحتري:
ومصيب مفاصل الرأي إن حا ... رب كانت آرائه من جنوده
قوّمت عزمه الأصالة والرمح ... يقيم الثقاف من تأويده فصل في فصاحة لسانه وبلاغة بيانه
أقول: هو قادح زند الفصاحة، وماسح غرر سوابق البلاغة، لسانه صفحة منصل، وبيانه عقد مفصّل.
بوركت طلعتك الغرّاء يا ... قمراً في فلك العلياء مفرد
أنت ريحانة فضل لا أرى ... مثل ريّاها بهذا العصر يوجد
لك ذكر نشره يهدي شذى ... فيه أنفاس النسيم الغض تشهد
نام کتاب : العقد المفصل نویسنده : الحلي، حيدر جلد : 1 صفحه : 15