نام کتاب : العقد المفصل نویسنده : الحلي، حيدر جلد : 1 صفحه : 141
وممّا اتّفق لي في وصف خيمة تنصب على صحن دار سيّدنا المهدي الشهير بالقزويني في العشر الأوائل من المحرّم لإمامة مأتم الحسين عليه السلام وكانت الخيمة أوّل عام سوداء ثمّ جعل مكانها في العام الثاني بيضاء، فقلت في ذلك:
اليوم قد صوّت ناعي الهدى ... يفصح بالنعي ولا يكنّي
بنعي قتيل الطف عند ابنه ... المهدي مولى الإنس والجنِّ
وقائل ذا السقف ما باله ... ابيضَّ وعهدي فيه كالدجن
قلت رأى المهدي مستشعر ال ... سواد حزناً باكي الجفن
فصار عيناً كلّه للبكا ... وها هي ابيضّت من الحزن
وكان الإمام فخرالدين الرازي يجلس للوعظ إذ أقبلت حمامة وخلفها صقر فألقت نفسها في حجر الإمام، فقال ابن عنين:
جائت سليمان الزمان حمامة ... والموت يلمع من جناحي خاطف
من نبأ الورقاء إنّ محلّكم ... حرمٌ وإنّك ملجأ للخائف
وزارني بعض الأكابر ليلاً فاشتدّ هبوب الريح وارتفع غبار كثير، فقلت في ذلك:
بوركت عشيّة زار فيها ... فمرّ المجد ربعنا فأضاء
وأظنّ الرّياح قد حسدتنا ... فهي وجداً تنفّس الصّعداء
وروى المرزوقي أنّ أبا تمام أنشد المعتصم قصيدته التي يقول فيها:
إقدام عمرو في سماحة حاتم ... في حلم أحنف في ذكاء إياس
وكان إسحاق الكندي حاضراً فقال: أمير المؤمنين أكبر من كلّ من شبّهته به، فزاد بديهاً:
لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلاً شرودا في الندى والبأس
فالله قد ضرب الأقلّ لنوره ... مثلاً من المشكاة والنبراس
فتعجّب الحاضرون من فطنته وذكائه.
وثانيهما: ما يبتدع من غير شاهد حال. قال المتنبّي في كافور:
فجائت بنا إنسان عين زمانه ... وخلت بياضاً خلفها ومآقيا
وقال أيضاً:
صدمتهم بخميس أنت غرّته ... وسمهريّته في وجهه غمم
فكانت أثبت ما فيه جسومهم ... يسقطن حولك والأرواح تنهزم
وقال التهامي:
ألا إنّ طيّاً للمكارم قبلة ... وحسان منها ركنها ومقامها
تزاحم تيجان الملوك ببابه ... ويكثر في يوم السلام زحامها
إذا عاينته من بعيد ترجّلت ... وإن هي لم تفعل ترجّل هامها
وجاء قول بعض المغاربة في الحمر أبدع ما يكون:
ثقلت زجاجات أتتنا فرّغاً ... حتّى إذا ملأت بصرف الراح
خفّت فكادت أن تطير بما حوت ... وكذا الجسوم تخفّ بالأرواح
وروي أنّ أبا نؤاس مرّ على أديب يفيد النّاس بشعره، فلمّا افتتح قوله في الخمر:
ألا فاسقني خمراً وقل لي هي الخمر ... ولا تسقني سرّاً إذا أمكن الجهر
وقف وقال: أُنظر ما عساه يقول. فقال الأديب: أشار الشاعر بقوله: وقل لي هي الخمر إلى حظّ حس السمع ليحظى بتمام حسّه، فتعجّب منه أبو نؤاس وقال: ما هجس هذا المعنى في خلدي.
وقال الأصمعي: قال لي الرشيد: قد أحسن الأخطل في قوله:
تدبّ دبيباً في العظام كأنّما ... دبيب نمال في نقاً يتهيّل
فقلت: أحسن منه قول أبي نؤاس:
إذا ما أتت دون اللهاة من الفتى ... دعا همّه من صدره برحيل
والإبداع في هذه المقطوعة من هذا القسم قولي:
وليس بالسحب من بخل إذا انقشعت ... لكنّها لحياء منك تستر
نبذة من بدايع النحويّين: دخل رجل مجلس كافور فقال: أدام الله أيّام سيّدنا - بكسر الميم - ففطن الناس فقال:
لا غرو إن لحن الداعي لسيّدنا ... وغصّ من دهش بالريق أو بهر
فقد تفألت من هذا لسيّدنا ... والفال مأثورة عن سيّد البشر
بأن أيّامه خفضٌ بلا نصب ... وإنّ أوقاته صفو بلا كدر
وقال المتنبّي:
حولي بكلّ مكان منهم خلق ... تخطي إذا جئت في استفهامها بمن
وقال أيضاً:
إذا كان ما تنويه فعلاً مضارعاً ... مضى قبل أن تلقى عليه الجوازم
أي إذا نوى أمراً يفعله مضى قبل أن يقال لا تفعل أو لم تفعل لأنّه لم يسبق إلى ما يهمّ به نهي أو فتور. ولمح الصفي في هذا المعنى في قوله وهو ما نحن فيه:
ما شدّد النون الثقيلة إنّه ... إن قال يسبق فعله التأكيدا
وقال بعضهم:
كأنّ النوى إذ نادت الدمع رخّمت ... ولا أثر فيها أجاب على العين
وأوضح هذا المعنى من قال:
نام کتاب : العقد المفصل نویسنده : الحلي، حيدر جلد : 1 صفحه : 141