الوصائف ذلك ننحين عنه؛ ثم رفع رأسه فقال: أبا زيد، حللت في يوم فيه انقضاء اجلك ومنتهى مدتك وتصرّم عمرك! والله لاضربن عنقك أو لتخبرني ما أثار هذه الصفة من قلبك.
قلت: نعم أصلح الله الامير؛ كنت جالسا عند باب اخيك سعيد بن عبد الملك، فإذا انا بجارية قد خرجت إلى باب القصر كالغزال انفلت من شبكة الصياد؛ عليها قميص اسكندراني يتبين منه بياض بدنها، وتدوير سرّتها، ونقش تكتها؛ وفي رجليها نعلان حمراوان، وقد أشرق بياض قدمها على حمرة نعليها؛ مضمومة بفرد ذؤابة تضرب الى حقويها وتسيل كالعثاكيل «1» على منكبيها، وطرّة «2» قد أسبلت على مثنى جبينها، وصدغان قد زينا كأنهما نونان على وجنتيها، وحاجبان قد قوّسا على محجري عينيها، وعينان مملوءتان سحرا، وأنف كأنه قصبة درّ، وفم كأنه جرح يقطر دما؛ وهي تقول: عباد الله، من لي بدواء من لا يشتكي، وعلاج من لا ينتمي؟ طال الحجاب، وأيضا الجواب؛ فالفؤاد طائر، والقلب عازب، والنفس والهة، والفؤاد مختلس، والنوم محتبس؛ رحمة الله على قوم عاشوا تجلّدا، وماتوا تبلّدا؛ ولو كان إلى الصبر حيلة وإلى العزاء سبيل لكان أمرا جميلا!.
ثم أطرقت طويلا، ثم رفعت رأسها؛ فقلت: أيتها الجارية، إنسية أنت أم جنيّة؟
سمائية أم أرضية؟ فقد اعجبني ذكاء عقلك؛ وأذهلني حسن منطقك!.
فسترت وجهها بكمها كأنها لم ترني، ثم قالت: اعذر أيها المتكلم الاريب، فما أوحش الساعة بلا مساعد، والمقاساة لصبّ معاند! ثم انصرفت؛ فو الله- أصلح الله الامير- ما أكلت طيبا إلا غصصت به لذكرها، ولا رأيت حسنا إلا سمج في عيني لحسنها!.
قال سليمان: أبا زيد، كاد الجهل أن يستفزني، والصبا ان يعاودني، والحلم أن