ولكنّ بالمدينة ثلاثة نفر كانوا أصدقاء لمولاتي، كنت أحبّ أن ينالهم من خير ما صرت إليه! فكتب إلى عامله بالمدينة في أشخاصهم، وأن يعطي كل رجل منهم عشرة آلاف درهم، وأن يعجل بسراحهم إليه؛ ففعل عامل المدينة ذلك؛ فلما وصلوا إلى باب يزيد استؤذن لهم، فأذن لهم وأكرمهم وسألهم [عن] حوائجهم؛ فأما الاثنان فذكرا حوائجهما فقضاها لهما وأما الثالث فسأله عن حاجته؛ فقال: يا أمير المؤمنين، مالي حاجة! قال: ويحك! ولم؟ ألست أقدر على حوائجك؟ قال: بلى يا أمير المؤمنين، ولكن حاجتي لا أحسبك تقضيها! قال: ويحك! فسلني، فإنك لا تسألني حاجة أقدر عليها إلا قضيتها. قال: ولي الأمان يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم وكرامة، قال: إن رأيت أن تأمر جاريتك فلانة التي أكرمتنا لها أن تغنّيني ثلاثة أصوات أشرب عليها ثلاثة أرطال، فافعل، قال: فتغير وجه يزيد. وقام من مجلسه، فدخل على الجارية فأعلمها؛ قالت: وما عليك يا أمير المؤمنين؟ أفعل ذلك. فلما كان من الغد أمر بالفتى فأحضر، وأمر بثلاثة كراسي من ذهب فألقيت؛ فقعد يزيد على أحدها، وقعدت الجارية على الآخر، وقعد الفتى على الثالث؛ ثم دعا بطعام فتغدّوا جميعا، ثم دعا بصنوف الرياحين والطيب فوضعت ثم أمر بثلاثة أرطال فملئت؛ ثم قال للفتى: قل ما بدا لك وسل حاجتك. قال: تأمرها تغني:
لا أستطيع سلّوا عن مودّتها ... أو يصنع الحبّ بي فوق الذي صنعا
أدعو إلى هجرها قلبي فيسعدني ... حتى إذا قلت هذا صادق نزعا
فامرها فغنّت، فشرب يزيد وشرب الفتى، ثم شربت الجارية؛ ثم أمر بالأرطال فملئت، ثم قال للفتى: سل حاجتك. قال: تأمرها تغني:
تخيّرت من نعمان عود أراكة ... لهند، ولكن من يبلّغه هندا؟
ألا عرّجا بي بارك الله فيكما ... وإن لم تكن هند لأرضكما قصدا
قال: فغنت بهما، وشرب يزيد ثم الفتى ثم الجارية؛ ثم أمر بالأرطال فملئت؛ ثم قال للفتى: سل حاجتك. قال: يا أمير المؤمنين مرها تغني:
منّا الوصال ومنكم الهجر ... حتى يفرّق بيننا الدهر