المدينة، فجعلت أسير في صمد «1» من الأرض، فسمعت غناء من الهواء لم أسمع مثله فقلت: والله لأتوصّلنّ إليه. فإذا هو عبد أسود، فقلت له: أعد ما سمعت. فقال:
والله لو كان عندي قرى أقريك ما فعلت، ولكن أجعله قراك؛ فإني والله ربما غنيت بهذا الصوت وأنا جائع فأشبع، وربما غنيته وأنا كسلان فأنشط وربما غنيته وأنا عطشان فأروى! ثم ابتدأ فغنى:
وكنت متى ما زرت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوي لي ويدنو بعيدها
من الخفرات البيض ودّ جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو يعيدها «2»
قال عمر: فحفظته منه، ثم تغنيت به على الحالات التي وصف، فإذا هو كما ذكره.
خالد صامة
: وتحدث الزبيريون عن خالد صامة بأنه كان من أحسن الناس ضربا بعود. قال:
قدمت على الوليد بن يزيد في مجلس ناهيك به مجلسا، فألفيته على سريره، وبين يديه معبد، ومالك بن أبي السمح، وابن عائشة، وأبو كامل غزيّل الدمشقي وكانوا يغنّون، حتى بلغت النوبة إليّ، فغنيته:
سرى همّي وهمّ المرء يسري ... وغاب النّجم إلا قيد فتر «3»
لهمّ ما أزال له قرينا ... كأنّ القلب أودع حرّ جمر
على بكر أخي، فارقت بكرا ... وأيّ العيش يصلح بعد بكر
فقال: أعد يا صام. ففعلت، فقال لي: من يقول هذا الشعر؟ قلت: يقوله عروة ابن أذينة يرثي أخاه بكرا. قال الوليد:
وأي عيش يصلح بعد بكر! والله لقد حجّر واسعا، هذا والله العيش الذي نحن فيه، يصلح على رغم أنفه.