ثم سكت وغنى دبيس:
تعمل الأجفان بالدّعج ... عمل الصهباء بالمهج
بأبي ظبي كلفت به ... واضح الخدّين والفلج
مرّ بي في زيّ ذي خنث ... بين ذات الضّال من أمج «1»
قلت قلبي قد فتكت به ... قال ما في الدّين من حرج
ثم سكت وغنى المسدود:
ما يبالي اليوم ما صنعا ... من بقلبي يبدع البدعا
كنت ذا نسك وذا ورع ... فتركت النّسك والورعا
كم زجرت القلب عنك فلم ... يضغ لي بوما ولا نزعا
لا تدعني للهوى غرضا ... إنّ ورد الموت قد شرعا
ثم سكت وغنى دبيس:
اسقني كأسا مصرّدة ... إنّ الليل قد طلعا «2»
قد شربت الحبّ شرب فتى ... لم يدع في كأسه جرعا
ثم ابتدأ أيضا دبيس فغنى:
يقولون في البستان للعين لذة ... وفي الخمر والماء الذي غير آسن «3»
إذا شئت أن تلقي المحاسن كلّها ... ففي وجه من تهوى جميع المحاسن
فغضب المسدود لما قطع عليه دبيس، وقال: غن على غير هذه القافية واللحن، ثم نرجع إلى حالنا الاولى: فقال ابو عكرمة: قد أصبت. فابتدأ المسدود فغنى:
أدعوك من قلبي إذا لم أرك ... يا غاية الطرف إذا أبصرك
قضى لك الله فسبحان من ... أحلك القلب ومن قدّرك
لست بناسيك على حالة ... يا ليت ما يذكرني ذكّرك