وقال: طينة خير من ظنّة، فأمسكتم عمن ختم على لا شيء، وعبتم من ختم على شيء! وعبتموني أن قلت للغلام: إذا زدت في المرق فزد في الإنضاج، ليجتمع مع التأدم باللحم طيب المرق؛ وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا طبخ أحدكم لحما فليزد من الماء، فمن لم يصب لحما أصاب مرقا» .
وعبتموني بخصف «1» النعل، وبتصدير القميص، وحين زعمت أن المخصوفة من النعل أبقى وأقوى وأشبه بالنّسك، وأن الترقيع من الحزم، والتفرّق مع التضييع؛ والاجتماع مع الحفظ. وقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يخصف نعله، ويرقع ثوبه؛ ويلعق أصابعه، ويقول: «لو أهدي إليّ ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت» . وقال عليه الصلاة والسلام: «من لم يستحي من الحلال خفّت مئونته، وقل كبره» ؛ وقالت الحكماء: لا جديد لمن لم يلبس الخلق. وبعث زياد رجلا يرتاد له محدّثا، واشترط عليه أن يكون عاقلا، فأتاه به موافقا، فقال له: أكنت به ذا معرفة؟ قال: لا، ولكنني رأيته في يوم قائظ يلبس خلقا ويلبس الناس جديدا؛ فتفرّست فيه العقل والأدب، وقد علمت أن الخلق في موضعه مثل الجديد في موضعه؛ وقد جعل الله لكل شيء قدرا وسما به موضعا؛ كما جعل لك زمان رجالا، ولكل مقام مقالا؛ وقد أحيا الله بالسم، وأمات بالدواء، وأغصّ بالماء؛ وقد زعموا أن الإصلاح أحد الكسبين، كما زعموا أن قلة العيال أحد اليسارين؛ وقد جبر الأحنف بن قيس يد عنز، وأمر مالك بن أنس بفرسك النعل؛ وقال عمر بن الخطاب: من أكل بيضة فقد أكل دجاجة؛ ولبس سالم بن عبد الله بجلد أضحية «2» ؛ وقال رجل لبعض الحكماء: أريد أن أهدي إليك دجاجة. فقال: إن كان لا بد فاجعلها بيوضا.
وعبتموني حين قلت: من لم يعرف مواضع السرف في الموجود الرخيص لم يعرف مواضع الاقتصاد في الممتنع الغالي؛ فلقد أتيت بماء للوضوء على مبلغ الكفاية وأشفّ