أبدان الاعراب؛ لله درّ الحارث بن كلدة حيث زعم أن الدواء هو الأزم «1» ، وان الداء كله هو من فضول الطعام؛ فكيف لا ترغب في شيء يجمع لك صحة البدن، وذكاء الذهن، وصلاح الدين والدنيا، والقرب من عيش الملائكة؟ أي بنيّ، ما صار الضبّ أطول شيء عمرا إلا أنه يتبلّغ بالنسيم؛ وما زعم الرسول أن الصوم وجاء «2» إلا انه جعله حاجزا دون الشهوات: فافهم تأديب الله وتأديب الرسول؛ أي بني، قد بلغت تسعين عاما ما نغض لي سنّ، ولا انتشر لي عصب، ولا عرفت وكف انف، ولا سيلان عين، ولا سلس بول؛ وما لذلك علة إلا التخفف من الزاد؛ فإن كنت تحب الحياة فهذه سبيل الحياة، وإن كنت تحب الموت فلا أبعد الله غيرك.
ابو الاسود الدؤلي
ومن البخلاء: أبو الأسود الدؤلي: وقفت عليه امرأة وهو في فسطاط وبين يديه طبق تمر، فقالت: السلام عليك! قال ابو الاسود: كلمة مقبولة.
ووقف عليه اعرابي، وهو يأكل فقال الاعرابي: أدخل؟ قال وراءك أوسع لك! قال: الرمضاء احرقت رجلي! قال: بل عليهما تبردان! قال أتأذن لي ان آكل معك؟
قال: سيأتيك ما قدّر لك! قال: تالله ما رأيت رجلا الأم منك. قال: بلى قد رأيت إلا انك نسيت! ثم اقبل ابو الاسود يأكل، حتى [إذا] لم يبق في الطبق الا تميرات يسيرة نبذها له، فوقعت تمرة منها، فأخذها الاعرابي ومسحها بكسائه، فقال ابو الاسود. يا هذا، إن الذي تمسحها به أقذر من الذي تمسحها له. قال: كرهت ان ادعها للشيطان! قال: لا والله، ولا لجبريل وميكائيل ما كنت لتدعها.
الأصمعي قال: مرّ رجل بأبي الاسود الدؤلي وهو يقول: من يعشّي الجائع؟ فقال ابو الاسود: عليّ به، فأتاه بعشاء كثير. وقال: كل حتى تشبع! فلما اكل ذهب ليخرج؛ قال: أين تريد؟ قال: أريد اهلي. قال: لا ادعك تؤذي المسلمين الليلة