تشييعهم؟ فقال: لي فيهم سكن «1» . قلت: فهل قلت فيهم شيئا؟ قال: نعم. وأنشدني:
هم رحلوا يوم الخميس عشيّة ... فودّعتهم لمّا استقلوا وودّعوا
فلما تولّوا ولّت النفس معهم ... فقلت ارجعي قالت إلى أين أرجع؟
إلى جسد ما فيه لحم ولا دم ... وما هو إلا أعظم تتقعقع
وعينان قد أعياهما كثرة الكبا ... وأذن عصت عذّالها ليس تسمع
أديب ذاهب العقل
: أبو بكر الوراق قال: حدّثني صديق لي؛ قال: رأيت رجلا من أهل الأدب قد ذهب عقله بالمحبة، وخلفه دابة له تدور معه، فاستوقفته وقلت له: يا فلان، ما حالك؟ وأين النعمة؟ قال: تغير قلبي فتغيرت النعمة! قلت: بم تغيّر؟ قال: بالحب! ثم بكى وأنشأ يقول:
أرى التجمّل شيئا لست أحسنه ... وكيف أخفي الهوى والدّمع يعلنه «2»
أم كيف صبر محبّ قلبه دنف ... الهجر ينحله والشّوق يحزنه؟ «3»
وإنه حين لا وصل يساعفه ... يهوى السّلوّ، ولكن ليس يمكنه
وكيف ينسى الهوى من أنت همّته ... وفترة اللحظ من عينيك تفتنه؟
فقلت: أحسنت والله! فقال: قف قليلا، فو الله لأطرحنّ في أذنيك أثقل من الرصاص وأخف على الفؤاد من ريش الحواصل! وأنشد:
للحبّ نار على عيني مضرمة ... لم تبلغ النار منها عشر معشار
الماء ينبع منها من محاجرها ... يا للرّجال لماء فاض من نار!
ثم وقف وأنشد:
أعاد الصّدود فأحيا العليلا ... وأبدى الجفاء فصبرا جميلا «4»