نفسان لي نفس تضمّنها ... بلد وأخرى حازها بلد
وأرى المقيمة ليس ينفعها ... صبر وليس بفوقها جلد
وأظنّ غائبتي كشاهدتي ... فكأنّها تجد الذي أجد
فقلت له: أحسنت والله! فأومأ إلى شيء ليرمينا به، وقال: أمثلي يقال له أحسنت! قال: فولينا عنه هاربين، فقال: أسألكم بالله ألا ما رجعتم حتى أنشدكم فإن أحسنت قلتم لي أحسنت، وإن أسأت قلتم لي أسأت. قال: فرجعنا ووقفنا، وقلنا له: قل. فأنشأ يقول:
لما أناخوا قبيل الصبح عيسهم ... ورحّلوها وسارت بالدّمى الإبل «1»
وقلّبت من خلال السّجف ناظرها ... ترنو إليّ ودمع العين منهمل «2»
وودّعت ببنان عقده عنم ... ناديت: لا حملت رجلاك يا جمل»
ويلي من البين! ماذا حلّ بي وبها ... من نازل البين؟ حلّ البين وارتحلوا «4»
يا راحل العيس عرج كي أودّعهم ... يا راحل العيس في ترحالك الأجل «5»
إني على العهد لم أنقض مودّتهم ... يا ليت شعري بطول العهد ما فعلوا
قال: فقلنا له: ماتوا! فصاح وقال: وأنا والله أموت: وتربع وتمدد فمات، فما برحنا حتى دفناه.
وقال محمد بن يزيد المبرّد: دخلنا دير هزقل، فإذا بمجنون بيده حجر، وقد تفرّق الناس عنه، وهو يقول: يا معشر إخواني، اسمعوا مني. ثم أنشأ يقول:
وذي نفس صاعد ... يئن بلا عائد
يكرّ على جحفل ... ويضعف عن واحد «6»