كان عروة بن أذينة يعدّ ثقة ثبتا في الحديث، روى عنه مالك بن أنس؛ وكان شاعرا لبقا في شعره غزلا، وكان يصوغ الألحان والغناء على شعره في حداثته وينحلها المغنين؛ فمن ذلك قوله، وغنى به الحجازيون:
يا ديار الحيّ بالأجمه ... لم يبيّن رسمها كلمه
وهو موضع صوته، ومنه قوله:
قالت وأبثثتها وجدي وبحت به ... قد كنت عندي تحت السّتر فاستتر
ألست تبصر من حولي فقلت لها ... غطّي هواك وما ألقي على بصري
قال: فوقفت عليه امرأة وحوله التلامذة، فقالت: أنت الذي يقال فيك الرجل الصالح، وأنت القائل:
إذا وجدت أوار الحبّ في كبدي ... عمدت نحو سقاء القوم أبترد
هبني بردت ببرد الماء ظاهره ... فمن لنار على الأحشاء تتقد
لا والله ما قال هذا رجل صالح قط!
القس
: قال: وكان عبد الرحمن الملقب بالقس عند أهل مكة بمنزلة عطاء بن أبي رباح في العبادة، وإنه مر يوما بسلامة وهي تغني، فقام يستمع غناءها، فرآه مولاها فقال له:
هل لك أن تدخل فتسمع؟ فأبى، فلم يزل به حتى دخل، فقال له: أوقفك في موضع بحيث تراها ولا تراك. فغنّته فأعجبته، فقال له مولاها: هل لك في أن أحوّلها إليك؟ فأبى ذلك عليه، فلم يزل به حتى أجابه، فلم يزل يسمعها ويلاحظها النظر حتى شغف بها؛ ولما شعرت لحظه إيّاها غنته:
ربّ رسولين لنا بلّغا ... رسالة من قبل أن يبرحا
لم يعملا خفّا ولا حافرا ... ولا لسانا بالهوى مفصحا
حتى استقلا بجوابيهما ... بالطائر الميمون قد أنجحا