وكان لأمّ جعفر أخ يقال له أيمن، فاستعدى عليه ابن حزم الأنصاري وهو والي المدينة للوليد بن عبد الملك- وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم- فبعث ابن حزم إلى الأحوص فأتاه، وكان ابن حزم يبغضه؛ فقال: ما تقول فيما يقول هذا؟
قال: وما يقول؟ قال: يزعم أنك تشبّب بأخته وقد فضحته وشهرت أخته بالشعر.
فأنكر ذلك، فقال لهما: قد اشتبه عليّ أمركما، ولكني أدفع إلى كل واحد منكما سوطا، ثم اجتلدا! وكان الأحوص قصيرا نحيفا؛ وكان أيمن طويلا ضخما جلدا، فغلب أيمن الأحوص فضربه حتى صرعه «1» وأثخنه؛ فقال أيمن:
لقد منع المعروف من أمّ جعفر ... أشمّ طويل الساعدين غيور
علاك بمتن السّوط حتى اتّقيته ... بأصفر من ماء الصّفاق يفور «2»
قال: فلما رأى الأحوص تحامل ابن حزم عليه، امتدح الوليد ثم شخص إليه إلى الشام، فدخل عليه فأنشده:
لا ترثينّ لحزميّ رأيت به ... ضرّا، ولو ألقي الحزميّ في النار
الناخسين لمروان بذي خشب ... المدخلين على عثمان في الدار «3»
قال له: صدقت والله، لقد كنا غفلنا عن حزم وآل حزم. ثم دعا كاتبه فقال:
اكتب عهد عثمان بن حيان المرّي على المدينة، واعزل ابن حزم، واكتب بقبض أموال حزم وآل حزم وإسقاطهم أجمعين من الديوان، ولا يأخذوا لأموي عطاء أبدا.
ففعل ذلك، فلم يزالوا في الحرمان للعطاء مع ذهاب الأموال والضياع، حتى انقضت دولة بني أمية وجاءت دولة بن العباس؛ فلما قام أبو جعفر المنصور بأمر الدولة، قدم عليه أهل المدينة، فجلس لهم، فأمر حاجبه أن يتقدم إلى كلّ رجل منهم أن ينتسب له إذا قام بين يديه؛ فلم يزالوا على ذلك يفعلون، حتى دخل عليه رجل قصير قبيح