ثم ترك كلّ واحد منهما أصحابه، وانفردا فنزلا؛ فقال حصين: يا أبا بكر، أنا سيد أهل الشام لا أدافع، وأرى أهل الحجاز قد رضوا بك؛ فتعال أبايعك الساعة ويهدر كل شيء أصبناه يوم الحرّة، وتخرج معي إلى الشام، فإني لا أحب أن يكون الملك بالحجاز. فقال: لا والله لا أفعل، ولا آمن من أخاف الناس وأحرق بيت الله وانتهك حرمته! قال: بل فافعل على أن لا يختلف عليك اثنان. فأبى ابن الزبير؛ فقال له حصين: لعنك الله ولعن من زعم أنك سيد، والله لا تفلح أبدا! اركبوا يا أهل الشام. فركبوا وانصرفوا.
أبو عبيد عن الحجّاج عن أبي معشر قال: حدّثنا بعض المشيخة الذين حضروا قتال ابن الزبير، قال: غلب حصين بن نمير على مكة كلها إلا الحجر، قال: فو الله إني لجالس عنده ومعه نفر من القرشيين: عبد الله بن مطيع، والمختار بن أبي عبيد، والمسور بن مخرمة، والمنذر بن الزبير، إذ هبّت رويحة «1» ؛ فقال المختار: والله إني لأرى في هذه الرويحة النصر، فاحملوا عليهم. فحملوا عليهم حتى أخرجوهم من مكة، وقتل المختار رجلا، وقتل ابن مطيع رجلا. ثم جاءنا على أثر ذلك موت يزيد بعد حريق الكعبة بإحدى عشرة ليلة.
وانصرف حصين بن نمير وأصحابه إلى الشام، فوجدوا معاوية بن يزيد قد مات ولم يتسخلف، وقال: لا أتحملها حيا وميتا.
فلما مات معاوية بن يزيد، بايع أهل الشام كلهم ابن الزبير، إلا أهل الأردن؛ وبايع أهل مصر أيضا ابن الزبير، واستخلف ابن الزبير الضحاك بن قيس الفهري على أهل الشام. فلما رأى ذلك رجال بني أمية وناس من أشراف أهل الشام ووجوههم، منهم روح بن زنباع وغيره، قال بعضهم لبعض: إنّ الملك كان فينا أهل الشام، فانتقل عنا إلى الحجاز؛ لا نرضى بذلك؛ هل لكم أن تأخذوا رجلا منا فينظر في هذا الأمر. فقال [روح بن زنباع] : استخيروا الله. قال: فرأى القوم أنه غلام