فقال له عبد الملك: ويحك! فهل تدرى ما سارّته به؟ قال: لا والله يا أمير المؤمنين.
744* وذكر ابن عيّاش [1] قال: خرجت من تيماء فرأيت عجوزا على أتان، فقلت: ممّن أنت؟ قالت: من عذرة، قلت: هل تروين عن بثينة وجميل شيئا؟ قالت: نعم والله، إنّا لعلى ماء من الجناب [2] ، وقد اتّقينا الطريق واعتزلنا، مخافة جيوش تجىء من الشأم إلى الحجاز، وقد خرج رجالنا فى سفر، وخلّفوا عندنا غلمانا أحداثا، وقد انحدر الغلمان عشيّة إلى صرم لهم قريب منّا، ينظرون إليهم ويتحدّثون عند جوار منهم، فبقيت أنا وبثينة نسترمّ غزلا لنا [3] ، إذ انحدر عليها منحدر من هضبة حذاءنا، فسلّم ونحن مستوحشون، فرددت السلام، ونظرت فإذا أنا برجل واقف شبّهته بجميل، فدنا فأثبتّه، فقلت: أجميل؟ قال: إى والله، فقلت: والله لقد عرّضتنا ونفسك شرا! فما جاء بك؟ قال: هذه الغول التى وراءك! وأشار إلى بثينة، وإذا هو لا يتماسك، فقمت إلى قعب فيه أقط مطحون وتمر [4] ، وإلى عكّة فيها شىء من سمن [5] ، فعصرته على الأقط وأدنيته منه، فقلت: أصب من هذا، ففعل [1] هذه القصة رواها صاحب الأغانى 7: 103- 104 بإسناده، نسبها إلى «أيوب بن عباية» فما أدرى أهو ابن عياش نفسه، أم أخطأ بعض الرواة هنا أو هناك؟! [2] الجناب، بكسر الجيم: موضع من ديار بنى فزارة بين المدينة وفيد. [3] نسترم: تريد نرم، أى: نصلح، استعملت فعل الطلب فى أصل معنى الفعل، يقال رم الشىء؛ أصلحه، واسترم: طلب الإصلاح، وهو فعل لازم استعمل هنا متعديا.
وهذا الاستعمال لم يذكر فى المعاجم. [4] الأقط، بفتح الهمزة وكسر القاف، وبسكون القاف مع فتح الهمزة أو كسرها أو ضمها: شىء يتخذ من اللبن المخيض يطبخ ثم يترك حتى يمصل. [5] العكة، بضم العين: قربة صغيرة يوضع فيها السمن أو العسل.