رأيت ابنة الضّمرىّ عزّة أصبحت ... كمحتطب ما يلق باللّيل يحطب
وكانت تمنّينا وتزعم أنّها ... كبيض الأنوق فى الصّفا المتنصّب [1]
ثم قال كثيّر لجميل: متى عهدك ببثينة؟ قال فى أوّل الصيّف وقعة سحابة بأسفل وادى الدّوم، فخرجت ومعها جارية لها تغسل ثوبا، فلمّا رأتنى أنكرتنى، فضربت بيدها إلى ثوب فى الماء فالتحفت به. وعرفتنى الجارية، فعادت فطرحته فى الماء، وتحادثنا حتّى غابت الشمس، فسألتها الموعد فقالت: أهلها سائرون، ولم ألقها بعد، ولم أجد أحدا آمنه أرسله إليها، فقال كثيّر: هل لك أن آتى الحىّ فأقرع ببيت من شعر أو تخلو فأكلّمها؟ قال: نعم، فخرج كثيّر حتى أناخ بهم، فقالوا: يا كثيّر حدّثنا كيف قلت لزوج عزّة حين أمرها أن تسبّك؟ قال كثيّر: خرجا يرميان الجمار، فوجدانى قد أعصب الناس بى [2] ، فطالعنى زوجها، فسمعنى أنشد:
خليلى هذا ربع عزّة فاعقلا ... فلوصيكما ثمّ ابكيا حيث حلّت [3]
فغار، فقال لعزّة: لتغضبنّه أو لأطلّقنّك، فقالت: المنشد يعضّ بكذا وكذا من أمّه، مكرهة، فقلت:
هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلّت [4]
فقالت بثينة: أحسنت والله يا كثيّر، قال كثيّر: وأبيات قلتها لعزّة [5] :
[1] الأنوق، بفتح الهمزة وضم النون: الرخمة، وفى المثل «أعز من بيض الأنوق» لأنها تحرزه فلا يكاد يظفر به، لأن أوكارها فى رؤوس الجبال والأماكن الصعبة البعيدة.
الصفا: العريض من الحجارة الأملس، جمع صفاة. [2] أعصب الناس بى: يريد أنهم اجتمعوا حوله. ولكن الفعل الرباعى من هذا لم يذكر فى المعاجم، والذى فيها «عصب الناس به» من باب «سمع» و «ضرب» .
[3] ستأتى القصيدة 327 ل.
[4] داء مخامر: مخالط جوفه. [5] مضت الأبيات برواية أخرى 402.