واعتمدت فى تحقيق الكتاب على طبعة ليدن سنة 1902 وكانت عندى منذ عهد بعيد. أقرؤها وأرجع إليها عند الحاجة. ولم أضنّ بها عن التمزيق بين يدى الطابعين، إذ لم نجد منها نسخة أخرى نشتريها، فكانت الحرب الأخيرة الفاجرة المدمرة دائرة، فلم نستطع أن نطلب نسخة أخرى من أوربا. وقاسينا ما قاسينا حتى صرح لنا بهذا الورق الذى تراه، والذى لم يكن لنا فى اختياره خيار.
ومطبوعة ليدن التى اعتمدناها حققها المستشرق «دى غوية» ، وكتب لها مقدمة جيدة، وأثبت فى هوامشها اختلاف النسخ المخطوطة التى وقعت له واعتمد عليها فى طبعته، وكتب كل ذلك باللغة اللاتينية، ورمز للنسخ المخطوطة بحروف لاتينية أيضا.
وقد تفضل الأديب الفاضل الأستاذ وهيب كامل، المدرس بكلية الآداب بجامعة القاهرة، بترجمة المقدمة والاصطلاحات إلى اللغة العربية، فأعاننى عونا كبيرا على هذا العمل الشاق، يعجز لسانى عن وفائه حقه من الشكر.
والمستشرق «دى غوية» - كما يبدو لى من عمله فى الكتاب- من أواسط المستشرقين، وليس من أعليائهم أمثال «ريط» الذى حقق كتاب الكامل للمبرد، و «بيفان» الذى حقق نقائض جرير والفرزدق، و «ليال» الذى حقق شرح المفضليات لابن الأنبارى. ولا هو من ضعفائهم أمثال «ألورد» و «مرجليوث» ، ولكنه بين بين، فإنه حقق الكتاب تحقيقا لا بأس به، ولكنه أخطأ فيه فى مواضع ليست بالقليلة، نبهت إلى كثير منها فى مواضعها، وأعرضت عن بعضها. ومن أعجب هذه الأغلاط: أن بعض الناس كتب بهامش إحدى نسخ الكتاب زيادة نقلها عن «أبى على فى النوادر» . والظاهر أن بعض الناسخين أدخلها فى صلب الكتاب، فجاء مجهول آخر، وكتب بهامش إحدى النسخ ما يفيد أن أبا علىّ هذا هو قطرب، فرجح ذلك لدى «دى غوية» فأثبته فى فهارس الكتاب!! وفاته أن هذا خطأ واضح بل خلط، على الرغم من أن «قطربا» يكنى «أبا على» وأنه له كتابا اسمه «النوادر» . لسبب واحد يدرك للوهلة الأولى من البحث، وهو أن نص الزيادة أوله:
«قال أبو علىّ فى النوادر: قرأت هذه القصيدة على أبى بكر ابن دريد» ... إلخ.