الوفاء بوعدى، ثم أنسيته حين رجوت أخى الأستاذ عبد السلام هارون أن يتم الكتاب فى أواخر الجزء الثانى، إذ اعتزمت السفر مع أهلى إلى الحج. فشغلنى ذلك عن كل شىء، حتى أنسانى ما وعدته به.
ووعد بوعد: فكما وعدت الأستاذ السيد صقر بنشر نقده الجزء الأول فى آخر الجزء الثانى، وعدنى هو- بعد رجائى- أن يقابل النسخة المطبوعة بتحقيقى على النسخ المخطوطة التى أشار إليها فى مقاله الأول، وعلى ما قد عساه يوجد من مخطوطات أخر من الكتاب، ويثبت ما يجده من تصويب أو اختلاف، تمهيدا لتحقيق الكتاب مرة أخرى، لنخرجه فى الطبعة القادمة إن شاء الله متعاونين مشتركين. حتى نؤدى الأمانة حقها. ولعله حريص على الوفاء إن شاء الله [1] .
ولقد زعم كثير من إخواننا، ووصل إلىّ ذلك: أنى ضقت بنقد الأستاذ السيد صقر فى المرتين. وما أظن الذى زعم ذلك أو توهمه يعرف شيئا من خلقى. فما ضاق صدرى بشىء من نقد قط، لان أو قسا، والعلم أمانة.
بل إنى لأرى أن الضيق بالنقد والتسامى عليه ليس من أخلاق العلماء، وليس من أخلاق المؤمن. إنما هو الغرور العلمى، والكبرياء الكاذبة. وحسبنا فى ذلك قول الله تعالى: وَإِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ
[البقرة: 206] . وما قال أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، إذ ردّت عليه امرأة، وهو على المنبر يخطب خير مجتمع ظهر على وجه الأرض، قال كلمة صريحة بينة: «امرأة أصابت ورجل أخطأ» . لم تأخذه العزة بالإثم، وتسامى على الكبرياء والغرور العلمى، وعمر هو عمر.
ثم ما هذه الفاشية المنكرة التى فشت بين المنتسبين للعلم؟ سأتحدث عن نفسى مضطرا حتى لا أمسّ غيرى:
أنا أرى أن من حقى أن أنقد من أشاء، وأن أقسو فى النقد ما أشاء، فمن ذا الذى يزعم لى، أو يزعم لنفسه، أن ينقد الناس، وأن يقسو عليهم فى النقد، ثم يرى [1] وهو إلى الآن لم يفعل، أحمد محمد شاكر.