responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الرسالة الموضحة في ذكر سرقات أبي الطيب المتنبي وساقط شعره نویسنده : ابن المظفر الحاتمي    جلد : 1  صفحه : 5
نهدت له متتبعاً عواره، ومقلماً أظفاره، ومذيعاً أسراره، وناشراً مطاويه، ومنتقداً من نظمه ما تسمح به، ومنتحيا أن تجمعنا دار يشار إلى ربها، فأجري أنا وهو في مضمار يعرف به السابق من المسبوق، واللاحق من المقصر عن اللحوق. وكنت إذ ذاك ذا سحاب مدرار، وزند في كل فضيلة وار، وطبع يناسب صفو العقار، إذا وشيت بالحباب، ووشت بها الأكواب. هذا وغدير الصبا صاف، ورداؤه ضاف، وديباجة العيش غضة، وأرواحه طلة، وغمائمه منهلة، وللشبيبة شرة، وللإقبال من الدهر غرة، والخيل يوم الرهان بجدود أربابها، لا بعروقها ونصابها. ولكل امرئ حظ من مواتاة زمانه، يقضى في ظله أرب، ويدرك مطلب، ويتوسع مراد ومذهب. حتى إذا عدت عن اجتماعنا عوادِ من الأيام، قصدت مستقره، وتحتي بغلة سفواء تنظر عن عيني بازٍ مسجل، وتتشوف بمثل قادمتي نسر. وتتقيك من هاديها بشطر خلفها، يعلوها مركب رائع كأنه كوكب وقاد، من تحته غمامة يقتادها زمام الجنوب، وبين يدي عدة من الغلمان الروقة، مماليك وأحرار، يتهافتون تهافت فريد الدر عن أسلاكه. ولم أورد هذا متبجحاً به ولا متكثراً بذكره بل ذكرته لأن أبا الطيب شاهد جميعه في الحال فلم ترعه روعته، ولا استعطفه زبرجه، ولا زاده ما شاهد من تلك الجملة الجميلة التي ملأت طرفه وقلبه إلا عجباً بنفسه، وسحباً لرداء تيهه، وإعراضاً عني بوجهه. وقد كان أقام هناك عند أغيلمة لم ترضهم العلماء، وعركتهم رحا النظر، ولا أنضو أفكاراً في مدارسة الأدب، ولا فرقوا بين حلو الكلام ومره، وسهله ووعره. نما غاية أحدهم مطالعة شعر أبي تمام، وتعاطي الكلام على نبذ من معانيه، وعلى ما يعلقه الرواة مما تجوز فيه. ومن للرئيس بمن يضطلع بهذا، وإن كان التشاغل بغيره من مراعاة أشعار الفحول الذين تكلموا عفواً بطباعهم، وجروا على عاداتهم، ولم يتعاطوه تكلفاً، ولا استكرهوه تعسفاً، والبحث عن أعراضهم التي رموا إليها، أولى فألفيت هناك فتية تأخذ شياً، فحين أوذن بضوري، واستؤذن عليه لدخولي، نهض عن مجلسه مسرعاً، ووارى شخصه عني مستخفياً، وأعجلته نازلاً عن البغلة، وهو يراني لانتهائي بها إلى حيث أخذها طرفه، ودخلت فأعظمت الجماعة قدري، وأجلستني في مجلسه، وإذا تحته أخلاق عبادة قد ألحت عليها الحوادث فهي رسوم دائرة وأسلاك متناثرة، فكان من سوء أدبه عند اللقاء ما أطويه عنان القول فيه. فلم يكن إلا ريث ما جلست حتى خرج إلي، فنهضت فوفيته حق السلام غير مشاحٍ له في القيام، لأنه إنما اعتمد بنهوضه عن الموضع ألا ينهض إلي، والغرض كان في لقائه غير ذلك. فعركت ما جرى بجنبي، وطويت عليه كشحي، وحين لقيته تمثلت بقول الشاعر.
وفي الممشى إليك علي عار ... ولكن الهوََى منَعَ القرَار
فتمثل بقول الآخر:
يشقَى أناس ويشقىَ آخرون بهم ... ويسعدُ الله أقواماً بأقوْامِ
وليس رزْق الفتى من فضل حيلتهِ ... لكنْ جدودٍ وأرزاق وأقسام
كالصيد يحرمه الراَمي المجيد وقد ... يرمي فيحرزهُ من ليسَ بالرُامي
وإذا به لا بس سبعة أقبية كل قباء منها لون، وكنا في وغرة القيظ وجمرة الصيف، وفي يوم تكاد ودائع الهامات تسيل فيه، خليق بقول مضرس بن ربعي:
ويومٍ كأن الشمس فيه مقيمة ... على البيِد لم تعرْف سوى البيدِ مذهباً
وبقول الآخر:
ويوْم كأنُ الملْح ينتشًر وسْطه ... ترىَ وحشهَُ يركَبنَ فيه النوًاصيا

نام کتاب : الرسالة الموضحة في ذكر سرقات أبي الطيب المتنبي وساقط شعره نویسنده : ابن المظفر الحاتمي    جلد : 1  صفحه : 5
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست