نام کتاب : الرسائل الأدبية نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 468
وليس شيء يصلح في كل موضع. وقد قسم الله الخير على المعدلة، وأجرى جميع الأمور إلى غاية المصلحة، وقسط أجزاء المثوبة على العزيمة والرخصة وعلى الإعلان والتقية، فأمر بالمداراة كما أمر بالمباداة، وجوز المعاريض كما أمر بالإفصاح، وسوغ في المباح كما شدد في المفروض، وجعل المباح جماما للقلوب وراحة للأبدان وعونا على معاودة الأعمال. فصار الإطلاق كالحظر والصبر كالشكر. وليس للإنسان من الخيرة في الذكر شيء إلا وله في النسيان مثله، ولا في الفطنة شيء إلا وله في الغفلة مثله، ولا في السراء شيء إلا وله في الضراء مثله، ولو لم يرزق الله العباد إلا بالصواب محضا وبالصدق صرفا وبمر الحق صفحا، لهلك العوام وانتقض أمر الخواص. ولو ذكر الإنسان كل ما أنسيه لشقي، ولوجد في كل شيء لانتكث. وقد يكون الذكر إلى الهلكة سلما كما يكون النسيان للسلامة سببا. وسبيل المزاح والجد كسبيل المنع والبذل. وعلى ذلك مجرى جميع القبض والبسط. فهذا وما قبله جمل أقاويل القوم.
ونحن نعوذ بالله أن نجعل المزح في الجملة كالجد في الجملة، بل نزعم أن بعض المزح خير من بعض الجد، وعامة الجد خير من عامة المزح، والحق أن ينضح عن بعض المزح ويحتج لجمهور الجد، وكيف لنا بذم جميع المزح مع ما نحن ذاكرون قال الشاعر:
«وذو باطل إن شئت ألهاك باطله»
وقال آخر:
أخو الجدّ إن يجدد فما من وتيرة ... لديه وإن يهزل يعللك باطله
وإن كانوا قد تسموا بعابس وعباس وشتيم وكالح وقاطب وحرب ومرة وصخر وحنظلة وحزن وحجر وقرد وخنزير، فقد تسموا بالضحاك والبطال وبسام
نام کتاب : الرسائل الأدبية نویسنده : الجاحظ جلد : 1 صفحه : 468