وكأنَّ الشقيق فيها خدودٌ ... ضرجتها قساوة اللّوامِ
وتخال الأغصان هيف خدودٍ ... راقصات على غناء الحمامِ
وصف في السحاب والغيث
والبرق والمياه وما يتصل بذلك
قال سعيد بن حميد الكاتب:
بكرت أوائل للربيعِ فبشّرتْ ... نورَ الرياضِ بجدّةٍ وشبابِ
وغدا السحابُ يكادُ يسحبُ في الثرى ... أذيالَ أسحمَ حالك الجلبابِ
يبكي ليضحكَ نورهنَّ فيا لهُ ... ضحكاً تولَّدَ من بكاءِ سحابِ
وترى السماءَ وقد أسفَّ ربابُها ... وكأنَّها لحفتْ جناح غرابِ
وقال آخر:
بيضاء جاءت بعد طول العهدِ ... من غير تسويفٍ وغير وعدِ
كأنَّها معتبة من صدِّ ... فابتسمت عن بارقٍ ذي وقدِ
كأنَّها تقدحها من زندِ ... وزفرت زفيرَ أهلِ الوجدِ
ثمَّ بكتْ بكاءَ أهلِ الفقدِ ... فأضحكت وجهَ الجديبِ الصلدِ
بكلّ غور وبكلّ نجدِ ... كأنَّ رشحَ طلِّها في الوردِ
دموع صبّ سُفحتْ في خدّ
لو قال دموع حبّ لكان أنسب وأدل على المعنى إذ ليس من المعلوم المستعمل أن يشبه الصب بالورد ولكن هذا يحتاج إلى ذهن نقاد وخاطر وقاد فيضع الهناء مواضع النقب ويفرق بين ذوي العمائم وذوات النقب.
وقال أبو تمام:
ساريةً مُسمحةَ القياد ... مُسودةً مُبيضةَ الأيادي
قد جُعلتْ للمحلِ بالمرصادِ ... سِيقتْ ببرقٍ ضرمِ الزّنادِ
كأنَّه ضمائرُ الأغمادِ ... سهّادةً نوّامةً بالوادي
نزّالةً عند رضى العبادِ
وله:
ساريةٌ لم تكتحلْ بغمضِ ... مُوقرةٌ من خلّةٍ وحمضِ
قضتْ بها السماءُ حقَّ الأرضِ
وقال أيضاً:
سهرت للبرق الذي استطارا ... باتَ على رغمِ الدُّجى نهارا
حتّى إذا ما أوسعَ الأمصارا ... وبلاً جهاراً وندًى سرارا
عاد لنا ماءً وكان نارا ... أرضى الثرى وأسخطَ الغبارا
وأحسن ما قيل في قوس قزح قول القبيصي:
وقد نشرتْ أيدي الجنوب مطارفاً ... على الأفقِ دكناً والحواشي على الأرضِ
يطرزها قوس السحاب بأحمر ... على أصفر في أخضر تحتَ مبيضِّ
كأذيال خودٍ أقبلت في غلائلٍ ... مصبّغة والبعضُ أقصرُ من بعضِ
وقد أجاد السيد الرضي:
من كلّ ساريةٍ كأنَّ رذاذها ... إبرٌ تُخيِّطُ للرياضِ برودا
نثرتْ فرائدها فنظّمتِ الربى ... من درّهنَّ قلائداً وعقودا
وقد أحسن نصيب ما شاء في قوله:
أعِنِّي على برق أُريكَ وميضهُ ... تُضيء دُجنّات الظلامِ لوامعهْ
إذا اكتحلتْ عينا محبٍّ بومضهِ ... تجافتْ به حتّى الصباحِ مضاجعهْ
وقال ابن مطير وأجاد:
مُستضحكٌ بلوامعٍ مُستعبرٌ ... بمدامعٍ لم تمرِها الأقذاءُ
فله بلا حزنٍ ولا بمسرّةٍ ... ضحكٌ يُؤلِّف بينه وبكاءُ
لو كانَ من لُججِ السواحلِ ماؤهُ ... لم يبقَ في لججِ السواحلِ ماءُ
قال ذو الرمة:
ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى ... ولا زال منهلا بجرعائك القطرُ
فقيل له: هذا بالدعاء عليها أشبه لأن القطر إذا دام عليها فسدت، والجيد قول طرفة:
فسقى ديارَكَ غيرَ مُفسدِها ... صوبُ الربيعِ وديمةٌ تهمي
وقال أبو هلال:
والرعدُ في أرجائهِ مترنمٌ ... والبرقُ في حافاتهِ متلهّبُ
كالبُلقِ ترمحُ والصوارمُ تُنتضى ... والحورُ تبسمُ والأناملُ تحسبُ
وقال:
تزورُ رُباها كلَّ يومٍ وليلةٍ ... غيومٌ كأنَّ البرقَ فيها مقارعُ
فتبسم بالأنوار منها مضاحك ... وتسجم بالأنواءِ فيها مدامعُ
وقال:
وبرقٌ سرى والليلُ يُمحى سوادهُ ... فقلت سوارٌ في معاصمِ أسمرا
وقد سدّ عرض الأفقِ غيمٌ تخالهُ ... يزرُّ على الدنيا قميصاً معنبرا
تخال به مسكاً وبالقطر لؤلؤاً ... وبالروض ياقوتاً وبالتربِ عنبرا
سواد غمام يبعث الماء أبيضاً ... وغرّة أرض تنبت الزهر أصفرا
إذا ما دعتْ فيه الرعود فأسمعتْ ... أجابَ حداةٌ فاستهلّ وأغزرا
ويبكي إذا ما أضحك البرقُ سنّه ... فيجعل نار البرق ماءً مفجّرا