وما تعتريها آفةٌ بشريةٌ ... من النومِ إلاّ أنّها تتخيرُ
وغيرُ عجيبٌ طيبُ أنفاسِ روضةٍ ... منورةٍ باتتْ تراحُ وتمطرُ
كذلك أنفاسُ الرياحِ بسحرةٍ ... تطيبُ وأنفاسُ الأنامِ تتغيرُ
وللتهامي من أبيات مختارة أذكرها لموضعها من الحسن:
يحكي جنى الأقحوان الغضّ مبسمُها ... في اللونِ والريحِ والتفليج والأشرِ
لو لم يكنْ أقحواناً ثغرُ مبسمِها ... ما كانَ يزدادُ طيباً ساعةَ السحرِ
الفلج في الأسنان: تباعد ما بين الثنايا والرباعيات، ورجل مفلج الثنايا: متفرقها، وهو خلاف المتراص الأسنان، وتأشير الأسنان: تحزيزها وتحديد أطرافها، يقال: بأسنانه أشُر وأشَر وأشور أيضاً، ومن أبيات التهامي:
أهتزّ عند تمني وصلها طرباً ... وربَّ أمنيةٍ أحلى من الظفرِ
تجني عليَّ وأجني من مراشفِها ... ففي الجنى والجنايات انقضى عمري
أهدى لنا طيفُها نجداً وساكنهُ ... حتى اقتنصنا ظباءَ البدو في الحضرِ
بيضاء تسحب ليلاً حسنهُ أبداً ... في الطولِ منه وحسنُ الليل في القصرِ
وأخذت من التهامي فقلت:
يزيد رضا به في الصبح طيباً ... لأنَّ الثغر منه جني الأقاحي
ومثله لعميد الدين بن عباس:
وظلم لماها العذب من بعد هدأة ... من الليل سلسال الرحيق المفدم
وللسيد الرضي:
وأقسم ما معتقةٌ شمولٌ ... ثوت في الدنّ عاماً بعد عام
إذا ما شارب القوم احتساها ... أحسَّ لها دبيباً في العظام
بأطيب من مجاجتهن طعماً ... إذا استيقظن من سنة المنام
ولم أرشف لهن لمًى ولكن ... شهدن بذاك أعواد البشام
هذا البيت الآخر من المعاني المطروقة وأنا أذكر ما يحضرن منها، قال شاعر الحماسة:
وما نطفةٌ من ماءِ مزن تقاذفت ... به جنبتا الجوديّ والليل دامس
فلما أقرتهُ اللصاب تنفستْ ... شمالٌ بأعلى متنهِ فهو قارسُ
بأطيبَ من فيها وما ذقتُ طعمهُ ... ولكنني فيما ترى العينُ فارسُ
اللصب بالكسر الشعب الصغير في الجبل، والقارس البارد، ويقال: الجامد، والأول هنا أجود، ومثله، وهو في غاية الحسن:
كأنَّ على أنيابها الخمر شجه ... بماء الندى من آخر الليل غابق
وما ذقته إلا بعيني تفرساً ... كما شيم من أعلى السحابة بارق
ومثله:
جنى النحل في فيه وما ذقت طعمه ... ولكنما قد دبّ من تحته النمل
ومن هذا المعنى للمغاربة:
من نسل هارون تعشقته ... يقتلني بالصدِّ والتيه
قد أنزل السلوى على قلبه ... أقول والمنّ على فيه
ومنه أيضاً:
يا أطيب الناس ريقاً غير مختبر ... إلا شهادة أطراف المساويك
ومثله لزهير المصري وقد طرف فيه:
وقد شهدَ المسواكُ عندي بطيبهِ ... ولم أرَ عدلاً وهو سكرانُ يطفحُ
ومثله:
يروي لنا المسواك طيب حديثه ... يا طيب ما نقل الأراك وما روى
وللفقيه عمارة مثل هذا من أبيات أذكرها لموضعها من الجودة وهي:
سرت نفحة كالمسك أزهى وأعطر ... وأردية الظلماء تطوى وتنشرُ
وما هي إلاّ نفحة بعثت بها ... سليمى إلى صبّ تنام ويسهرُ
وإلا فما بال النسيم الذي سرى ... بذي الأثل عن عرف العبير يعبرُ
شهدت يقيناً أن مرآك جنة ... وقالوا وما أدري وريقك كوثر
ومثله أيضاً:
وفي الحمول سمحة ضنينة ... تبذل وجهاً وتصون ملمسا
سلسالها إن لم أكن أعرفه ... رشفاً فقد وصفته تفرسا
ابن الرومي:
وما ذقته إلاّ بشيم ابتسامها ... وكم مخبرٍ أبداه للعين منظرُ
ومثله لكمال الدين بن العديم:
وما عذبَ المسواك إلاّ لأنه ... يقبلها دوني وإني لراغم
فقلت له صف لي جنى رشفاتها ... فالثمني فاهاً بما هو زاعم
الحديث ذو شجون، وقال امرؤ القيس:
خليليّ مُرا بي على أمّ جندبِ ... نقضِّ لباناتِ الفؤادِ المعذبِ
ألم ترَ أني كلما جئتُ زائراً ... وجدتُ بها طيباً وإن لم تطيبِ
هذا أحسن من قول كثيِّر وأدل على الطيب حيث قال:
وما روضةٌ بالحزنِ طيبةُ الثرى ... يمجُّ الثرى جثجاثُها وعرارُها