فألقيت إليه فأرة فأكلها، ووضعت عنده الماء فشرب وأكثر، لملوحة لحم الفأرة، فجوّعه ذلك وحرّضه على الطعم، فكنت أخفف طعمه وأغيّر عليه اللحوم، فما وافقه ألزمته إياه، وما ثقل في زهركه وأبطأ تعبيره جَنَّبْتُه إياه، ولم يزل ذلك فعلي به مع الرفق، وكنت على سفر فلم ينجع رفقي به، بل كان يمسك رمقه حتى استقررت وأحممت البازي، وكان وقت قرنصنته فألقيته في القرنصة، وجعلت أداريه ولا أستعمل معه ما أستعمله مع غيره من البزاة لعلمي بما في جوفه من الداء إلى أن خرج من القرنصة ينشق شحماً، وخرج ريشه أجمع فحملته فصدت به حتى الكراكي، وكان لا يقصر في صيده، ويسيغ طعمه، ولا ينكر منه شيئاً، ولقد أرسلته يوماً على التم وكانت في ماء فلم تنقلع له بسرعة، فأخذ منها واحدة، فأجتمع عليه الباقي فضربوه وغطُّوه في الماء، وهو لا يُخلي التي صادها، وكان ذلك في يوم بارد فأدركته وحملته، وهو لما به من ألم الضرب وشدة البرد، فرددته وشددته في موضع كنين فلما زال عنه ذلك حملته وأطعمته وخفَّفت عنه، فلما كان في غد ذلك اليوم رأيته وقد صار على النصف مما كان عليه، ولم تمض له إلا عشرة أيام حتى عاد إلى ما كان إلى كان عليه أولاً من الهزال وسوء الحال، فدفعته إلى من يقوم بعلاجه ومداراته، فلم يزل يتعذب به إلى وقت القرنصة فلما ألقاه وأحمَّه رجع في السمن إلى ما عهدته وألقى ريشه وخرج حسناً، وصدنا به كل طير، ولم تزل تلك حاله إلى أن توالى عليه التعب فأرسلناه في بعض خرجاتنا إلى الصيد ثلاثة أيام، فعاد إلى الهزال والضعف،