لو كنت مكان أبى موسى ما صنعت كما صنع، قال: وما كنت تصنع؟ قال:
كنت أنظر عدة من المهاجرين وعدة من الانصار، ثم أشهدهم بالله تعالى، المهاجرون أحق بالخلافة أم الطلقاء؟ فقال معاوية: أقسمت عليك بالله لا تذكرها أبدا ما عشت! وباسناد لنا عن سفيان الثورى قال: جاء أبو الاسود الى قومه ومات عريفهم، وقد أجمع رأيهم ان يعرفوا رجلا فقال: لا تعرفوا فلانا فانه أهوج أحمق يأكل طعامكم، ويتثاقل عن حاجاتكم، ولكن عرفوا فلانا فانه أهوس أهيس، ملك ملحس، «1» ان طمع انتهز وان سأل أرز «2» - والاهوس والاهيس الجواد السمح- وسمع أبو الاسود قوما يستشيرون فى تزويج امرأة وخاطبها فقال: زوجوها من عاقل، فان أحبها أكرمها، وان أبغضها أنصفها. أول من صنف فى الفقه مالك بن أنس صنف الموطأ
وهو مالك بن أنس بن عامر من حمير، وعداده فى بنى تيم بن مرة من قريش، وكان أبوه أنس بن عامر يروى عن عمر وعثمان وطلحة وأبى هريرة، وحمل مالك ثلاث سنين، وكان شديد البياض، أصلع عظيم الهامة، وكان يأتى المسجد ويقيم صلاته فيه ويقضى حقوق اخوانه فى التهانى والتعازى ثم ترك ذلك فقيل له فيه، فقال: ليس كل الناس يقدر ان يخبر بعذره، وكان يكره حلق الشارب، ويراه مثله، وسعى به الى جعفر بن سليمان، وقالوا: انه لا يرى ان بيعتكم هذه شيئا، فغضب جعفر، ودعا به فجرده وضربه بالسياط، ومدت يده حتى انخلعت كتفه، فلم يزل بعد ذلك الضرب فى العلو والرفعة، وكأنما كانت تلك السياط حليا حلى بها، وبلغ من منزلته فى الناس أن أهل المدينة كانوا يستسقون بقلنسوته، ومات سنة تسع وسبعين ومائة، وله خمس وثمانون سنة ودفن بالبقيع.