قال أبو هلال:- أيده الله تعالى-: لو كان الثريد طعاما خبيثا مكروها لكان ما يقال فيه شائعا، فأما وهو طعام مشتهى طيب فلا اعتراض على العرب فى اتخاذ طعام طيب، وليس ترك العجم اياه قدحا فيه فكم من شىء مختار قد تركته العجم غفلة عنه أو جهلا به، وليس ثردهم فى المرق يدل على أنهم أرادوا منع ما يفضل منه. أول من أخذ الايلاف لقريش هاشم بن عبد مناف
والايلاف كتاب أمان يؤمنهم بغير حلف، فأما الولاف فتدارك «1» لمعان البرق ولا يكاد يخلف، والآلاق- بالقاف- أن يلمع لمعة بعد لمعة وربما أخلف، اخبرنا غير واحد عن ابن دريد وغيره عن أبى حاتم العبثى ومحمد بن سلام قال: كانت قريش تجارا وكانت تجارتهم لا تعدو مكة وما حولها، فخرج هاشم بن عبد مناف الى الشام فنزل بقيصر، وكان يذبح كل يوم شاة ويصنع جفنة ثريد ويدعو من حوله، وكان من أتم الناس وأجملهم، فذكروا ذلك لقيصر فأحضره، فلما رآه استجهره «2» وكلمه فأعجبه، فلما رأى مكانه عنده قال: أيها الملك، ان قومي تجار العرب فان رأيت أن تكتب لى كتابا تؤمنهم فيقدمون عليك بما تستظرف من أمتعة الحجاز فيكون أرخص لكم، فكتب كتاب أمان لمن يخرج منهم، فخرج هاشم به فكلما مربحى من العرب أخذ من أشرافهم الأمان حتى قدم مكة، فأتاهم بأعظم شىء أوتوا به قط بركة، فخرجوا بتجارة عظيمة وخرج معهم هاشم يجوزهم ويوفيهم إيلامهم حتى ورد بهم الشام، وفى ذلك يقول القائل:
تحمّل هاشم ما ضاق عنه ... وأعيا أن يقوم به ابن فيض