responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الإمتاع والمؤانسة نویسنده : أبو حيّان التوحيدي    جلد : 1  صفحه : 92
قال أبو سعيد: إذا سلّمت لك أنّ الترجمة صدقت وما كذبت، وقوّمت وما حرّفت، ووزنت وما جزفت، وأنها ما التاثت ولا حافت، ولا نقصت ولا زادت، ولا قدّمت ولا أخّرت، ولا أخلّت بمعنى الخاصّ والعامّ ولا بأخصّ الخاصّ ولا بأعمّ العامّ- وإن كان هذا لا يكون، وليس هو في طبائع اللغات ولا في مقادير المعاني- فكأنك تقول: لا حجة إلا عقول يونان، ولا برهان إلا ما وضعوه، ولا حقيقة إلّا ما أبرزوه.
قال متّى: لا، ولكنّهم من بين الأمم أصحاب عناية بالحكمة والبحث عن ظاهر هذا العالم وباطنه، وعن كلّ ما يتّصل به وينفصل عنه، وبفضل عنايتهم ظهر ما ظهر وانتشر ما انتشر وفشا ما فشا ونشأ ما نشأ من أنواع العلم وأصناف الصنائع، ولم نجد هذا لغيرهم.
قال أبو سعيد: أخطأت وتعصّبت وملت مع الهوى، فإنّ علم العالم مبثوث في العالم بين جميع من في العالم، ولهذا قال القائل:
العلم في العالم مبثوث ... ونحوه العاقل محثوث
وكذلك الصناعات مفضوضة على جميع من على جدد الأرض، ولهذا غلب علم في مكان دون علم، وكثرت صناعة في بقعة دون صناعة، وهذا واضح والزيادة عليه مشغلة، ومع هذا فإنما كان يصحّ قولك وتسلم دعواك لو كانت يونان معروفة من بين جميع الأمم بالعصمة الغالبة، والفطنة الظّاهرة، والبنية المخالفة، وأنّهم لو أرادوا أن يخطئوا لما قدروا، ولو قصدوا أن يكذبوا ما استطاعوا وأنّ السكينة نزلت عليهم، والحقّ تكفّل بهم، والخطأ تبرّأ منهم، والفضائل لصقت بأصولهم وفروعهم، والرذائل بعدت من جواهرهم وعروقهم، وهذا جهل ممّن يظنّه بهم، وعناد ممن يدّعيه لهم، بل كانوا كغيرهم من الأمم يصيبون في أشياء ويخطئون في أشياء، ويعلمون أشياء ويجهلون أشياء، ويصدقون في أمور ويكذبون في أمور، ويحسنون في أحوال ويسيئون في أحوال، وليس واضع المنطق يونان بأسرها، إنما هو رجل منهم، وقد أخذ عمّن قبله كما أخذ عنه من بعده، وليس هو حجّة على هذا الخلق الكثير والجمّ الغفير، وله مخالفون منهم ومن غيرهم، ومع هذا فالاختلاف في الرأي والنظر والبحث والمسألة والجواب سنخ «1» وطبيعة، فكيف يجوز أن يأتي رجل بشيء يرفع به هذا الخلاف أو يحلحله أو يؤثّر فيه؟ هيهات هذا محال، ولقد بقي العالم بعد منطقه على ما كان عليه قبل منطقه، فامسح وجهك بالسلوة عن شيء لا يستطاع لأنّه منعقد بالفطرة والطباع، وأنت لو فرّغت بالك وصرفت عنايتك إلى معرفة هذه اللّغة التي تحاورنا بها، وتجارينا فيها، وتدارس أصحابنا بمفهوم أهلها وتشرح كتب يونان بعبارة أصحابها، لعلمت أنّك غنيّ عن معاني يونان كما أنك غنيّ عن لغة يونان.

نام کتاب : الإمتاع والمؤانسة نویسنده : أبو حيّان التوحيدي    جلد : 1  صفحه : 92
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست