نام کتاب : أشعار الشعراء الستة الجاهليين نویسنده : الأعلم الشنتمري جلد : 1 صفحه : 80
ولقد نزلت تلافظني غيره ... مني بمنزلة المحب المكرم
4 - وفيها عدة تشبيهات رائقة، كتشبيه الظليم وقد تبعته النعام بالعبد الأسود وقد ثابت إليه الإبل:
تأوي له قلص النعام كما أوت ... حزق بجانبه لأعجم طمطم
ومثل هذا التشبيه الرائع الذي يعجب به النقاد من القدماء ويحبونه، في الأبيات التي وصف فيها ثغر صاحبته بالجمال وطيب النشر فذكر فأرة المسك وذكر الروضة الأنف التي ألح عليها الغيث حتى زكا نبتها وكثر فيها الذباب مبتهجاً نشوان مترنماً:
وكأن فأرة تاجر بقسيمة ... سبقت عوارضها إليك من الفم
أو روضة أنفا تضمن نبتها ... غيت قليل الدمن ليس بمعلم
جادت عليه كل بكر حرة ... فتركن كل قرارة كالدرهم
سحا وتسكابا فكل عشية ... يجري عليها الماء لم يتصرم
وخلا الذباب فيها فليس ببارح ... غردا كفعل الشارب المترنم
هزجا يحك ذراعه بذراعه ... قدح المكب على الزناد الأجذم
5 - وكثير جداً من أبيات هذه المعلقة قد ظفر بحظ كبير من الإيجاز والامتلاء والبراءة من اللغو والفضول، حتى جرى مجرى الأمثال، فأي الناس لا يتمثل قوله:
وإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرمي
أو قوله:
ينبئك من شهد الوقيعة أنني ... أغشى الوغى وأعف عند المغنم
أو قوله:
ولقد خشيت بأن أموت ولم تدر ... للحرب دائرة على ابني ضمضم
الشاتمي عرضي ولم أشتمهما ... والناذرين إذا لقيتهما دمي
مما احتذاه جميل فقال:
وليت رجالاً فيك قد نذر وأدمى ... وهموا بقتلي يا بثين لقوني
أو قوله:
إن يفعلا فلقد تركت أباهما ... جزر السباع وكل نسر قشعم
وجل هذه القصيدة يجري مجرى المثل وينشد على اختلاف العصور والبيئات والظروف. فلا يمل إنشاده ولا تحس النفس نوا عنه، أو نفورا منه، وإنما تحس كأنها تجري فيه أو كأن هذا الشعور مرآة صافية صادقة لكل نفس كريمة ولكل قلب ذكي، ولكل خلق نقي.
ذلك لأن عنترة بحياته وشخصيته ومشاعره وعواطفه وآماله وآلامه كان كأنما يتحدث عن النفوس ويصف حياة الناس، ويأخذ من تجاربه وخبرته ومن فراسته وذكائه أساليبه وصوره ويستمد من إلمامه بالحياة ومعرفته ببيئته مادة بيانه وشعوره وشعره.
فعنترة في معلقته شاعر يتحدث عن البطولة في البداية وعن المجتمع الذي كان يعيش فيه وعن الحياة التي كان يتأثر بها وعن عواطف الشاعر وعن دخائل نفسه حديث المصور الماهر والشاعر العبقري.
وبعد، فكل ما في المعلقة جيد وكل أبياتها خليق أن نطيل الوقوف عنده ونفكر فيه والإعجاب به، كما يقول الدكتور طه حسين.
(ج) وفنون المعلقة كثيرة.
1 - بدأها عنترة بالغزل في ابنة عمه عبلة ومخاطبة دارها ذات الذكريات الجميلة، قال:
هل غادر الشعراء من متردم ... أم هل عرفت الدار بعد توهم
يا دار عبلة بالجواء تكلمي ... وعمي صباحاً دار عبلة واسلمي
وتحل عبلة بالجواء وأهلنا ... بالحزن فالصمان فالمتثلم
حبيت من طلل تقادم عهده ... أقوى وأقفر بعد أم الهيثم
2 - واسنطرد إلى وصف الروضة:
أو روضة أنقا تضمن نبتها ... غيث قلل الدمن ليس بمعلم
جادت عليه كل بكر حرة ... فتركن كل قرارة كالدرهم
وخلا الذباب بها فليس ببارح ... غردا كفعل الشارب المترنم
هزجا يحك ذراعه بذراعه ... قدح لمكب على الزناد الأجذم
3 - ثم يصف ناقته في أبيات كأبيات طرفة تمتاز بالغرابة:
هل تبلغني دارها شدنية ... لعنت بمحروم الشراب مصرم
4 - ثم يفتخر بنفسه وشجاعته:
أثنى علي بما علمت فإنني ... سهل مخالطتي إذا لم أظلم
فإذا ظلمت فإن ظلمي باسل ... مر مذاقته كطعم العلقم
وإذا شربت فإنني مستهلك ... مالي، وعرضي وافر لم يكلم
وإذا صحوت فما أقصر عن ندى ... وكما علمت شمائلي وتكرمي
ويستمر في التنويه بشجاعته إلى أن يقول:
ولقد ذكرتك والرماح نواهل ... مني وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لأنها ... لمعت كبارق ثغرك المتبسم
نام کتاب : أشعار الشعراء الستة الجاهليين نویسنده : الأعلم الشنتمري جلد : 1 صفحه : 80